نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تجيب فيه على التساؤل التالى: إذا كان الفاعلون السياسيون فاسدين ولديهم تشبث مرضىّ بالسلطة والكرسىّ وفشلوا فى بناء صورة إيجابية تضمن لهم احترام العامة.. فماذا يفعلون لحفظ ماء وجوههم؟... جاء فيه ما يلى.
كيف يمكن لعدد من الفاعلين فى المجال السياسىّ حفظ ماء وجوههم بعد أن «طلعت ريحتهم» وكُشفت عوراتهم؟ وهل يتسنّى لهم بالفعل، تصحيح مسارهم وصون كرامتهم ومكانتهم واستعادة هيبتهم أم «فات الميعاد»؟ وهل بإمكان أحدهم أن يتحلّى بالشجاعة والجرأة فيغادر الساحة السياسية بإرادته قبل أن تلفظه الجماعة و«يفرد إفراد البعير الأجرب»؟
إنّ ما نراه اليوم من تشبث مرضىّ بالمناصب بالرغم من كثرة العثرات والزلاّت والأخطاء الجسيمة يقيم الدليل على أنّ اللاعبين السياسيين لم يفشلوا فى بناء صورة إيجابية تضمن لهم احترام الناس فحسب بل إنّهم عجزوا عن إيجاد خطّة تضمن لهم الخروج «اللائق». ويكفى أن نشير فى هذا السياق، إلى محنة الغنوشى، وهو يعتلى كرسى مجلس الشعب متوهّما أنّ بيده مفاتيح الكون وأنّه قد حقّق أبّهة الملك والحال أنّه يعلم علم اليقين أنّه قد خسر ماء الوجه. فمن قواعد اللعب السياسىّ الذى اعتمدته عبير موسى ممارسة الضغط النفسى اليومىّ حتى تربك الخصم فتجبره على ارتكاب الأخطاء والتجاوزات، فضلا عن العمل المستمر على تدمير صورته ونسف إنجازاته محليّا وعالميّا، وهو الذى دفع أموالا كثيرة للتسويق لصورته وتلميع صورة حزبه. ولم يكفها ذلك بل تعمّدت إهانة الغنوشى أمام أتباعه وأمام الرأى العامّ. ولا يخفى أنّ سياسات الإذلال والإهانة لا يستهان بها إذ تعتنى العلوم السياسية والعلاقات الدوليّة بتحليلها ودراستها.
وها هى وسائل الإعلام العربية تسرد النوادر، وتنقل العراك وتتوسّع فى نشر «الغسيل» محقّقة الفرجة والمتعة لجمهور رأى كيف «تكوّر» امرأة بشيخ كانت له صولات وجولات من السودان إلى بريطانيا وغيرها من البلدان. فماذا بقى من صورة «الشيخ المفكّر» ورئيس الحركة المبجّل «سيدى الشيخ»؟ وكيف سيذكره قومه «إذا جدّ جدّهم»؟ وما وقع سياسات الإذلال والإهانة على نفس من حلم بأن يكون ذات يوم «الزعيم»؟
لا نخال أنّ الّذين خسروا ماء الوجه واحترام الجمهور لهم قادرون اليوم على لبس قناع جديد أو الاستمرار فى التظاهر باللامبالاة وعدم الاكتراث. فمن أثبت على امتداد السنوات، أنّه عاجز عن أن يكون سياسيّا وصاحب مشروع وطنىّ لا يمكنه أن يتحوّل فى مدّة وجيزة، إلى محنّك وقس على ذلك كلّ الّذين يحاولون التغاضى عن الانتقادات اللاذعة التى تُوجّه إليهم والنعوت التحقيريّة التى تحاصرهم بل الشتائم التى تحاصرهم فى الاحتجاجات. يكفى أن نتذكّر هتافات الشبّان والشابات فى جميع الأحياء والشوارع والساحات والنعوت التى لحقت «المشيشى» لندرك كيف تتحوّل الهتافات إلى أداة وصم تلاحق المرء حتى الممات. ومع ذلك يستمرّ الرجل فى اللهث وراء من يضمن له المنصب حتى وإن كانت الضريبة المقدّمة: خسارة ماء الوجه.
ينشغل اللاهثون وراء المناصب بالسعى المحموم وراء السند القانونى التشريعى الذى يضمن لهم السلطة فلا يبادرون برفض الوزارة التى كلّفتهم خسارة ماء الوجه وهذا أنموذج آخر فى إيثار النفس على حساب المصلحة الوطنيّة وأنماط أخرى من ممارسة العمل السياسىّ ترسّخ الانتهازيّة وتفضح ما يعتقده بعضهم فالكرامة ليست قيمة متجذرة لديهم. وأنّى لمن اعتبر السلطة غنيمة أن يفهم احتجاجات شعارها «خبز حريّة كرامة وطنيّة»؟ وأنّى لمن رأى أنّ المنصب يُغرى بما يوفره من امتيازات أن يدرك أنّ الفقر المادى لا يشين صاحبه/ته بل يحفّزه على الثورة على الذين يصرّون على إذلاله والحطّ من كرامته؟
وما دام السياسىّ قد فقد ماء الوجه وضحّى بكرامته فى سبيل السلطة فركض وراء من شكّلوا «الحزام» فإنّه لم يجد حرجا فى تشديد القبضة البوليسية وممارسة الانتهاكات والعبث بما تحقّق من مكاسب.. إنّ الفقر الحقيقى هو خسران الذات والافتقار إلى ما يضمن ماء الوجه ويحفظ كرامة المرء.