لا أحد يفوز في عالم يخسر فيه الجميع - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا أحد يفوز في عالم يخسر فيه الجميع

نشر فى : الخميس 15 فبراير 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الخميس 15 فبراير 2024 - 7:35 م

بدأ الكثير من دول العالم ينظر إلى العولمة والنظام الليبرالى على أنهما يعملان على توزيع المكاسب بشكل غير متكافئ، مما دفعهم إلى الاهتمام بتحقيق المصالح الخاصة على حساب التعاون لمواجهة التحديات المشتركة. فى ضوء ذلك، نشر موقع Project Syndicate مقالا لمدير الأبحاث والسياسات فى مؤتمر ميونيخ للأمن، توبياس بوند، ورئيسة الأبحاث والمنشورات فى مؤتمر ميونيخ للأمن، صوفى إيسنترونت، يؤكدان فيه أن استمرار نظر الدول لنجاحها مقارنة بدول أخرى (الصراع الصينى الأمريكى كمثال) سيؤدى إلى تقويض الرخاء المشترك، وتفاقم التوترات الجيوسياسية... نعرض من المقال ما يلى:
إذا كان المجتمع الدولى فى أى وقت مضى انطلق على المسار الصحيح نحو نظام عالمى أكثر سلمية وعدالة، فإن ذلك كان خلال السنوات الأولى التى تلت الحرب الباردة. فبرغم أن الحكم العالمى آنذاك لم يكن خاليا من العيوب، فإن خطر نشوب حرب بين القوى العظمى بدا متدنيا، وكان الفقر فى انحدار. علاوة على ذلك، كانت النتائج الأولية التى انتهت إليها مؤتمرات القمة المخصصة لتعزيز التنمية وحماية البيئة سببا فى رفع الآمال فى إيجاد حلول خارقة للمشاكل الأكثر إلحاحا التى تواجهها البشرية.
لكن التوترات الجيوسياسية وحالة انعدام اليقين الاقتصادى زاحمت منذ ذلك الوقت حالة التفاؤل والطموح فى تلك الحقبة. وبدلا من العمل التعاونى فى التصدى للتحديات الملحة، أصبح المجتمع الدولى الآن «عالقا فى خلل وظيفى عالمى هائل»، على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريرش.
الأسوأ من ذلك أن عددا كبيرا من الدول لم تعد تهتم على ما يبدو بالفوائد الأعرض المترتبة على عمل النظام العالمى الليبرالى؛ فهى منشغلة فى المقام الأول بشريحتها فى الكعكة. وأصبحت القوى الفاعلة الرئيسية فى مجتمع عبر الأطلسى، والأنظمة الاستبدادية القوية، وما يسمى بالجنوب العالمى، غير راضية جميعها عما تعتبره توزيعا غير متكافئ للمكاسب الناجمة عن التعاون العالمى.
• • •
فى عدد كبير من الدول الغربية، تعتقد قطاعات كبيرة من السكان أن نصيبهم من الكعكة يتقلص، بسبب ما يرون أنه اتجاه عام من الركود والانحدار الداخلى. تظهر بيانات جديدة صادرة عن مؤشر ميونيخ للأمن أن قلة من الناس فى مجموعة السبع اليوم يعتقدون أن بلدانهم سوف تصبح أكثر أمانا وأكثر ثراءً بعد مرور عقد من الزمن من الآن. علاوة على ذلك، يتوقع كثيرون أن تصبح الصين، وكذلك البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، أكثر قوة خلال تلك الفترة.
الواقع أن الساسة الشعبويين فى الغرب بارعون فى استغلال الخوف من الانحدار، لكن السياسات القومية التى يقترحونها من الممكن أن تعمل على التعجيل بهذه العملية. وحتى الزعماء غير الشعبويين أصبح القلق يساورهم إزاء العولمة، بعد أن باتت الجوانب السلبية المترتبة على الاتكالية المتبادلة المتزايدة واضحة.
ربما يكون بوسعنا أن نقول إن الصين كانت المستفيد الرئيسى من النظام الاقتصادى الليبرالى. فبعد أن ساعدوا فى تنمية الكعكة العالمية، يعتقد القادة الصينيون الآن أن بلادهم تستحق شريحة أكبر، وأن الولايات المتحدة هى فى الواقع القوة الرجعية التى تحاول وقف صعود الصين ومنعها من الاضطلاع بدورها اللائق على المسرح العالمى.
فى مواجهة عدد كبير من التحديات الداخلية، بما فى ذلك تقلص عدد السكان، وأزمة العقارات، ومستويات مرتفعة من الدين الحكومى، من المرجح أن تركز الصين بشكل أكبر على المكاسب النسبية فى السنوات المقبلة. وفى حين يواصل زعماء الصين الحديث عن التعاون المربح للجميع، يمزح آخرون قائلين إن هذا يعنى الآن أن الصين تفوز مرتين. من الواضح أن السياسات الصينية فى السنوات الأخيرة دفعت بعض الأطراف إلى التشكك فى أهداف الصين الطويلة الأجل، بل ودفعت قلة إلى السعى إلى «التخلص من المخاطر» فى علاقاتهم مع الصين.
ثمة آخرون لا يشعرون بالقلق إزاء تضاؤل حصتهم من الكعكة، لأنهم يعتقدون أنها كانت تافهة فى المقام الأول. وفى نظر الأشخاص الذين يعيشون فى فقر أو يعانون من صراعات طويلة الأمد، تبدو الدعوات المنادية بالدفاع عن النظام المجرد القائم على القواعد وتحمل التكاليف المصاحبة فاقدة لأى إدراك أو تمييز والغرض منها تعزيز الهيمنة الغربية.
تدرك دول عديدة فى الجنوب العالمى تمام الإدراك أنها ستكون الأكثر معاناة بسبب التشرذم الجيوسياسى المتزايد. ولهذا السبب تحاول تجنب الانحياز إلى أى طرف، وتدعو بدلا من ذلك إلى تشكيل تحالفات متعددة، وهو ما من شأنه أن يسمح لها بملاحقة مصالحها الخاصة. لكن دبلوماسية الصفقات التى تؤيدها بعض هذه البلدان، مع تركيزها على صفقات ثنائية ومكاسب قصيرة الأمد، من الممكن أن تقوض الآفاق الطويلة الأمد التى لا يمكن أن يوفرها إلا نظام قائم على القواعد.
• • •
مع تعريف مزيد من الدول لنجاحها نسبة إلى دول أخرى، فقد تبدأ حلقة مفرغة من الفكر ذى المحصلة صفر، وهذا من شأنه أن يقوض الرخاء المشترك ويؤدى إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية. يتكشف هذا السيناريو الذى ينتهى إلى خسارة الجميع فى كثير من مجالات السياسة بالفعل ويجتاح مناطق عديدة. وحتى سياسة المناخ، التى ربما تكون أفضل مثال على الكيفية التى من خلالها قد يعود التعاون العالمى بالنفع على الجميع، أصبحت معرضة لخطر الوقوع فريسة للمخاوف بشأن أى دولة قد تكسب على حساب دولة أخرى.
لا يخلو الأمر من أسباب وجيهة وراء بعض هذه الاختيارات السياسية: تشكل جهود «إزالة مخاطر» العلاقات الاقتصادية استجابة عقلانية لبيئة أكثر تنافسية ومن الممكن أن تساعد فى الحد من نقاط الضعف. لكن تشظى الاقتصاد العالمى على نحو متزايد ليتحول إلى كتل جيوسياسية متنافسة من الممكن أن يخرج النمو عن مساره، وخاصة فى البلدان المنخفضة الدخل. ويعمل انخفاض النمو الاقتصادى بدوره على تغذية عقلية المحصلة الصفرية ــ على النحو الذى يخلق نبوءة ذاتية التحقق.
فى مواجهة حالة عدم اليقين الجيوسياسى، من المفهوم أن يرغب أى بلد فى حماية حصته من الكعكة. ولكن يتعين على المجتمع الدولى أن يعمل على منع المخاوف من النتائج غير المتكافئة من الهيمنة على المناقشات السياسية. فى المقام الأول، لابد من إيجاد التوازن بين الجهود الرامية إلى حماية الحصص الفردية ومحاولات توسيع الكعكة. يتطلب هذا بناء شراكات جديدة، تقوم على التعاون المتبادل المفيد، وإصلاح النظام الدولى القائم على القواعد لضمان تقاسم المكاسب على نطاق واسع. إذا فشلت هذه الجهود، فمن المحتم أن تتقلص كل شريحة ــ وسوف تنتهى الحال بالبلدان إلى التنافس على من يخسر أقل.

النص الأصلي

التعليقات