ما إن أُعلن عن الاتفاق الصعب، ولكن الواعد، فيما بين الشقيقة المملكة العربية السعودية والجارة جمهورية إيران الإسلامية، والذى بالفعل يمثل تغييرا ثوريا فى الساحة السياسية الخليجية، حتى قوبل بفيض متلاطم من ردود الفعل.
بعض تلك الردود تميز بالغمز واللمز البذيئين لكلا البلدين، والبعض ركز على التقليل من أهمية الاتفاق، بل والشك فى استمراره وجدواه، والبعض كان واضحا أنه كان يردد ما كتب له من قبل جهات أمنية ومصلحية ستضار استراتيجياتها وأهدافها لإبقاء الأمتين العربية والإسلامية فى عوالم الخلافات والصراعات التى أنهكت قواهما وأشغلتهما عن أعدائهما الحقيقيين: الاستعمار والصهيونية وشركات الاستغلال العولمية الجشعة وشتى أنواع القوى الفئوية الرجعية المهيمنة على الثروات والجاه والسلطان.
لكن شعوب الأمتين يجب أن لا تضيع فى متاهات نبش الماضى البعيد والقريب وطرح الأسئلة الانتهازية الملغومة. بدلا من ذلك، عليها أن تركز على طرح الأسئلة التى قد تقود إلى إغناء وتحسين روح ومكونات الاتفاق، أو التى قد تجنبه الوقوع فى أوهام وشكليات مظهرية لصالح هذه الجهة أو تلك.
على ضوء تلك الخلفية دعنا نتساءل بجدية موضوعية: أولا: هل جرت مناقشات ومشاورات واتفاقات مبدئية فيما بين دول مجلس التعاون الخليجى من أجل جعل موضوع العلاقة العربية ــ الإيرانية مستقبلا موضوعا ومسئولية خليجية مشتركة؟ لها ضوابطها وتطلعاتها المتناغمة مع مصالح الأمة العربية القومية المشتركة؟
ثانيا: والتساؤل نفسه، روحا ومستقبلا، ينطبق على علاقة الكثير من جوانب الموضوع مع مهمات وأهداف منظمة التعاون الإسلامى. فقد آن الأوان أن نتعامل مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية المصيرية وتطلعاتهما المشتركة، حاضرا ومستقبلا، بشمولية وتدرجية تقود إلى الأفضل والأقوى للجميع، تحت مظلتى رابطة العروبة من جهة ورابطة الأخوة الإسلامية من جهة أخرى.
مثل هذا التعامل الثنائى التجزيئى المؤقت، والذى مارسته الأمتان عبر قرون، أبقى الأمتين مكشوفتين أمام القوى الخارجية ومتخلفتين وراء حضارة العصر ومتنافستين بصور عبثية منهكة.
ثالثا: متى سنقتنع فى الخليج بأن جغرافية القرب بين الضفتين العربية والإيرانية، وتشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، ومتطلبات عقيدة وثقافة الدين الإسلامى الواحد لغالبية ساكنيه الساحقة، تحتم جميعها وجود علاقة متكافئة ومتعاونة فيما بين دولها تتصف بالأخذ والعطاء، والتسامح، وعدم التدخل فى شئون الداخل، وترك جانبا كل الادعاءات التاريخية وبلادات أحداث الماضى الذى ولى وانتهى، ولجم وإسكات كل أصوات التطرف المذهبى والأيديولوجى والعرقى والمصلحى؟. قدرنا أن نكون هنا وقدرنا أن نعيش هنا. وكل كسر لهذه القاعدة لن يستفيد منها إلا الأعداء الخارجيون المتربصون بكلا الضفتين. دعنا نذكر أنفسنا بالقول الرائع الشهير: من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة، والمرأة هى كلتا الأمتين وليست إحداهما.
لقد ارتكبت أخطاء وخطايا كثيرة التى ستحتاج إلى الكثير من التواصى بالحق وبالصبر. ولسنا من السذج الذين يعتقدون بأن الحلول ستكون جاهزة وأن الطريق سيكون سهلا. ذلك أن أحمال خلافات التاريخ ثقيلة والأعداء كثيرون والجهلة أكثر وأصحاب المصالح الفئوية الأنانية يتربصون، ولن يهدأوا.
لكن الاتفاق المزمع توقيعه وتفعيله قريبا هو خطوة فى الاتجاه الصحيح، فالويل والويل لنا إن نحن جميعا أضعنا فرصة الممكن والأمل التى أمامنا.
مفكر عربى من البحرين