اليوم الأحد يتوجه الناخبون الأتراك للإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء الشعبى الذى دعا إليه الرئيس رجب طيب أردوغان لتعديل النظام السياسى فى بلاده وتحويله من برلمانى إلى رئاسى بحيث يمنحه صلاحيات غير مسبوقة.
الاستفتاء شرعى وطبيعى ولا مشكلة فيه مادام برضا الناخبين وإرادتهم الحرة أولا، ثم أن يؤدى إلى تحسين حياة الناس ومستقبلهم.
هناك أكثر من صيغة لنظم الحكم فى العالم، أكثرها البرلمانى مثلما هو الحال الشائع فى معظم البلدان الأوروبية وإسرائيل والهند، أو الرئاسى مثلما هو الحال فى أمريكا وروسيا، وهناك ما هو مختلط مثل الصيغة الموجودة فى فرنسا إلى حد ما، وأخيرا هناك «اللانظام، أو نظام الكنافة» الموجود فى معظم عالمنا العربى وإفريقيا!.
أردوغان ظل رئيسا للحكومة ١١ عاما، حتى تم انتخابه رئيسا للجمهورية عام ٢٠١٤، وفى السنوات الأولى لعهده حقق حزبه «العدالة والتنمية» نجاحات اقتصادية حقيقية، تمثلت فى ارتفاع معدلات النمو وزيادة الدخول وتحسن مستوى الحياة خصوصا للطبقة الوسطى. لكن وبعد ثورات الربيع العربى عام ٢٠١١، فوجئنا بشخص مختلف تماما ينقلب على نفسه ويتنكر لكل المبادئ التى كان يرفعها.
فى منتصف يوليو الماضى شهدت تركيا انقلابا عسكريا فاشلا ــ يرى البعض أنه مسرحى ومصطنع ــ لأن نتيجته الفعلية أنه أطلق يد أردوغان فى تأميم الحياة السياسية، وجعله يطرد ويعتقل وينكل ويقمع مئات الآلاف من معارضيه خصوصا من القضاة وضباط الجيش والشرطة والإعلاميين، وسيطر تقريبا على معظم وسائل الإعلام، بحجة أنهم موالون لخصمه اللدود فتح الله كولن المتهم بأنه مخطط الانقلاب،وتحول كل شخص يعارض اردوغان إلى حليف لكولن كى يسهل التنكيل به.
لا تشغلنى نتيجة الاستفتاء، فالشعب التركى هو الذى سيقرر الأمر، وإن كانت هناك تقديرات غريبة تقول إن هدف أردوغان أن يحصل على رخصة ليقيم فيها نموذجه الخاص المماثل لنموذج كمال أتاتورك شكلا والمضاد له فى المضمون.
لو أيد الشعب التركى التعديل، فسيصبح بمقدور أردوغان، إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان وتعيين رئيس الحكومة والوزراء بل وأعضاء فى المحكمة العليا التى هى أعلى سلطة قضائية.
علينا احترام خيارات الشعب التركى، مثلما على الشعب التركى وقياداته أن يحترموا خيارات بقية الشعوب ومنها الشعب المصرى.
لكن ما يشغلنى فى القضية بأكملها، هو جماعة الإخوان التى حولت نفسها إلى أداة فى خدمة أردوغان منذ سنوات طويلة، خصوصا بعد إخراجها من الحكم بثورة شعبية فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
ربما يحلم أردوغان بأن يكون سلطانا عثمانيا جديدا أو خليفة للمسلمين، ونتفهم غضبه من مصر وجيشها وحكومتها ورئيسها بهذا الشكل المريب، لأن حلمه تعثر تماما بعد ٣٠ يونيو، لكن ليس من حقه أن يعظ المصريين بشىء وهو لا يفعله فى بلاده خصوصا فيما يتعلق بالحريات والإعلام والاعتقالات.
تصدعنا جماعة الإخوان وأنصارها كل يوم بمعارضتها لمصادرة الحريات فى مصر واعتقال الآلاف، ولكن لم نسمع من أى إخوانى ــ خصوصا المقيمين هناك ــ أى انتقاد لما يفعله أردوغان بحق شعبه.
فى منتصف مارس الماضى أصدر ما يسمى «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين» الإخوانى برئاسة الشيخ يوسف القرضاوى، بيانا يؤيد فيه أردوغان وتعديلاته الدستورية ويراها «تتفق مع التعاليم الإسلامية التى تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم ١ فى السلطة»!!. كان يمكن تفهم تأييد الاتحاد للرئيس التركى باعتباره الداعم الأكبر لجماعة الإخوان الآن، لكن حشر الإسلام فى الموضوع هو الذى صدم كثيرين وجعلهم يعيدون النظر إلى هذا الاتحاد ودوره الذى تم اختزاله إلى مجرد فرع للجماعة.
لم نسمع من أى إخوانى فى أى مكان انتقادا لبيان الاتحاد، ولم يقولوا لنا لماذا ينتقدون صلاحيات السيسى فى مصر، فى حين أن صلاحيات أردوغان تتفق مع تعاليم الإسلام؟ وماذا سيكون موقفهم إذا فكر السيسى فى تغيير الدستور، ليحصل على نفس الصلاحيات التى يريدها أردوغان؟!!.
وباستثناء الكاتب الأستاذ فهمى هويدى الذى كتب منتقدا هذا البيان بوضوح وبقوة فى «الشروق»، فإن غالبية المنتمين للتيار الإسلامى العام قد سقطوا بجدارة فى الامتحان التركى!.