إيران وترامب.. تفاوض نووى محفوف بالشكوك - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 16 أبريل 2025 12:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إيران وترامب.. تفاوض نووى محفوف بالشكوك

نشر فى : الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 6:40 م

 

اللقاء الأول بين إيران والولايات المتحدة فى مسقط، السبت الماضى، للتفاوض بشأن البرنامج النووى الإيرانى لم يكن اختراقًا تاريخيًا، لكنه بالتأكيد لم يكن عديم الجدوى. أكثر ما يُحسب للجولة الأولى أنها عقدت أصلًا، بعد سنوات من الانقطاع، وتحديدًا منذ انسحاب ترامب من اتفاق 2015، وما تبعه من جولات «عضّ أصابع» بين الطرفين. أن تجلس واشنطن وطهران ــ ولو فى غرفتين منفصلتين ــ يعنى أن هناك شيئًا ما تغيّر، أو على الأقل أن حسابات الربح والخسارة أعادت تموضع الطرفين نسبيا.

وإزاء هذه التطورات الأخيرة أجدنى مضطرا للفت الانتباه إلى أنها جاءت تأكيدًا لما تناولته فى هذا المكان قبل أكثر من شهر، فى مقال بعنوان «إيران جاهزة لاتفاق مع ترامب.. رغم الممانعة!» (نُشر فى 11 مارس 2025)، حين أكدت أن طهران ستنجرّ إلى طاولة التفاوض مهما علت لهجة التحدى، لأنها ببساطة لا تملك رفاهية الصمود طويلًا فى ظل اقتصاد منهك، وضغوط إقليمية متصاعدة، وخطر ضربة عسكرية إسرائيلية قاب قوسين أو أدنى.

• • •

المفارقة أن الجدل بعد مسقط لم يكن حول مضمون المحادثات بل حول وجهتها المقبلة. روما؟ أم مسقط مرة أخرى؟ تصريحات متضاربة صدرت من مصادر إيرانية  قابلها ترحيب إيطالى سريع، واحتفاء إعلامى غربى باحتمال نقل المفاوضات إلى أوروبا. لكن فى نهاية المطاف، حسمت طهران الجدل بإعلان رسمى على لسان المتحدث باسم خارجيتها: الجولة الثانية ستكون فى مسقط، يوم السبت المقبل، وبالصيغة نفسها: مفاوضات غير مباشرة، برعاية الوسيط العُمانى الهادئ والموثوق.

هذا التمسك الإيرانى بالبقاء فى مسقط، وعدم الانتقال إلى عاصمة أوروبية، ليس تفصيلاً بروتوكوليًا. طهران تعرف جيدًا أن الذهاب إلى روما يعنى الدخول إلى حلبة ضغط غربية أوسع، وتَحوّل النقاش من النووى إلى ملفات أخرى، من الصواريخ إلى «سلوك إيران الإقليمى». فى المقابل، ترى واشنطن أن النقل إلى أوروبا ــ وربما لاحقًا إلى فيينا – هو خطوة نحو تدويل المسار وتوسيع المظلة الغربية. أما ترامب، فهو يريد شيئًا آخر تمامًا: إظهار أن ما يُبنى الآن ليس مجرد استئناف لاتفاق أوباما، بل مسار جديد مختلف بشروط أمريكية خالصة.

وهنا تحديدًا تبدأ العقدة. ترامب، بعقلية «صانع الصفقات»، لا يقبل العودة إلى الاتفاق الذى مزّقه. هو يريد «صفقة أفضل»، صفقة يمكنه بيعها للداخل الأمريكى باعتبارها إنجازًا شخصيًا يفوق ما فعله أوباما وبايدن. هذه الرغبة الجامحة فى «تجاوز أوباما» تصطدم بحقيقة أن إيران لم تعد فى موقف تفاوضى مريح، لكنها فى الوقت ذاته لم تأتِ لتقدّم استسلامًا. هى تريد رفع العقوبات، لكنها لا تقبل بتفكيك برنامجها النووي، بل تريد شرعنته تحت مظلة مدنية. ومن هنا، فإن أى اتفاق ممكن يجب أن يقع فى المنطقة الرمادية بين طموح ترامب المعلن، وحدود إيران غير القابلة للتنازل.

• • •

اللافت فى جولة مسقط أن الطرفين بديا أكثر واقعية مما يوحى به خطابهما العلنى. الأمريكيون تخلّوا مؤقتًا عن مطلب تفكيك كامل للبرنامج النووى، على الأقل فى الطرح العلنى، واكتفوا بوضع «عدم التسلّح النووى» كخط أحمر. والإيرانيون، من جهتهم، قبلوا لقاء رمزيا مباشرا بين عراقجى وويتكوف، بعد ساعات من التفاوض غير المباشر، فى إشارة محسوبة بأنهم لا يغلقون الباب.

المعركة المقبلة ستكون على الإيقاع. ترامب يريد اتفاقا سريعا، خلال شهرين، قبل نهاية نافذة «السناب باك» فى أكتوبر، والتى تتيح للأوروبيين إعادة فرض عقوبات دولية إذا لم يتحقق تقدم. الإيرانيون، بالمقابل، يريدون كسب الوقت، وتخفيف الضغط الداخلى، واستعادة بعض الزخم الإقليمى، دون أن يقدموا تنازلات حاسمة. أما إسرائيل، فهى فى الخلفية، تراقب وتلوّح بخيار الضربة الاستباقية إذا ما شعرت أن المفاوضات تمنح طهران فرصة لمزيد من التخصيب أو المراوغة.

• • •

جولة مسقط لم تُجب بعد على الأسئلة الكبرى: هل ترامب مستعد لاتفاق مرحلى يعطى إيران بعض الأوكسجين الاقتصادى؟ وهل خامنئى سيقبل ببنود رقابة صارمة دون أن يخسر ماء وجهه أمام الداخل؟ وهل الأوروبيون سيبقون على الهامش أم سيعودون إلى الواجهة إذا ما انتقل المسار إلى روما أو فيينا لاحقًا؟

الأسبوع المقبل سيكون حاسمًا، ليس فقط لقياس نوايا الطرفين، بل لاختبار ما إذا كان كل ما جرى حتى الآن مجرد جس نبض... أم بداية تفاوض جاد.

التعليقات