خيارات ما بعد الانكشاف.. إيران والقنبلة النووية السرية - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 9 يوليه 2025 2:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

خيارات ما بعد الانكشاف.. إيران والقنبلة النووية السرية

نشر فى : الثلاثاء 8 يوليه 2025 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 يوليه 2025 - 8:55 م

 

منذ أكثر من عشرين عامًا، ظلّ البرنامج النووى الإيرانى موضوعًا مشحونًا بين طهران والعالم. توزّعت حوله التصريحات والتهديدات، وتقلّبت المواقف بين تفاوض وتشكيك، لكنّ شيئًا لم يصل إلى هذا الحدّ من التصعيد المباشر كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة. فالهجوم الإسرائيلى الأخير، وما تلاه من مشاركة أمريكية غير مسبوقة، لم يكن فقط ضربة للمنشآت النووية، بل صفعة لمعادلة الردع التى بنتها إيران على مدى عقدين.

اللافت فى هذا التصعيد ليس فقط ما تم ضربه، بل ما تم الكشف عنه سياسيًا. فللمرة الأولى تبدو طهران مكشوفة عسكريًا، ومعزولة دبلوماسيًا، ومضطرة لاختيار مسار واضح. لم تعد اللعبة كما كانت فى السابق تقوم على الغموض المتعمد أو اللعب على الحافة. إيران أصبحت أمام مفترق طرق لا يقل خطورة عن أى لحظة مرّت بها منذ قيام الجمهورية الإسلامية. وقد طرحت دورية The Bulletin of the Atomic Scientists، فى دراسة تحليلية، تصورًا ثلاثيًا للخيارات المتاحة أمام طهران.

***

الخيار الأول، وهو العودة إلى طاولة المفاوضات، عبر صيغة جديدة للاتفاق النووى الموقع فى 2015، ولكن بشروط أكثر صرامة هذه المرة، تشمل مراقبة دائمة، وتفعيل تلقائى للعقوبات إذا ثبت أى خرق. الأوروبيون يميلون إلى هذا الاتجاه، على الأقل فى العلن، رغم ترددهم فى مواجهة الموقف الأمريكى الإسرائيلى. بالنظر من داخل إيران، فإن الرهان على هذا المسار لن ينجح إلا إذا استطاع النظام أن يُظهر نتائج حقيقية فى حياة الناس: تحسُّن اقتصادى، استقرار معيشى، وربما قدر من الانفتاح السياسى. وإلا، فلن يصمد هذا الخيار طويلًا أمام غضب الشارع.

الخيار الثانى أكثر جذرية، ويتمثل فى الاستمرار سرًّا فى تطوير البرنامج النووى. هنا لا تتحدث طهران كثيرًا، لكنها تملك ما يكفى من الخبرة والمواد للاقتراب من إنتاج قنبلة، أو على الأقل البقاء فى عتبة ما قبل التصنيع. هناك نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو رقم مقلق لكل من يراقب عن قرب. هذا الطريق يمنح طهران ورقة ضغط ثقيلة، لكنه أيضًا طريق محفوف بالمخاطر؛ لأن انكشاف أى خطوة من هذا النوع قد يدفع الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى رد عسكرى يصعب احتواؤه.

وقد أوضحت الدراسة نفسها أن الضربات الأخيرة ألحقت ضررًا كبيرًا بالبنية التحتية النووية الإيرانية، لكنها لم تدمّر قدرة إيران على استئناف مشروعها، وربما بطريقة أكثر سرية وتركيزًا، وقد تسعى إلى برنامج أصغر حجمًا وأقل وضوحًا، يستفيد من تراكم الخبرات والمواد المخزّنة، مع تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الحد الأدنى لتجنّب الاكتشاف.

يبقى الخيار الثالث، وهو ما يمكن تسميته بالخيار «المرن» أو «المركّب»: أن تقبل إيران باتفاق ما، تحفظ من خلاله صورة التعاون أمام المجتمع الدولى، وفى الوقت ذاته تبقى على قدراتها النووية فى الظل، احتياطًا لأى طارئ. هذا الخيار يوفّر مرونة سياسية، وربما مكاسب اقتصادية، دون أن تتنازل طهران عن أوراق قوتها بالكامل. لكنه خيار محفوف بالغموض، لأنه يعتمد على بقاء الأمور تحت السيطرة وعدم انكشاف النوايا، وهو أمر لا يمكن ضمانه فى ظل بيئة استخباراتية مشتعلة.

***

إيران اليوم لا تواجه فقط خصومها، بل تواجه نفسها. أيًّا ما يكون القرار، فإن كلفته لن تكون بسيطة. هل تملك القيادة الإيرانية الشجاعة للدخول فى تسوية تُنقذ ما يمكن إنقاذه، دون أن تظهر بمظهر الضعيف؟ وهل يملك الغرب، بالمقابل، شجاعة الاعتراف بأن الضغط وحده لن يغيّر المعادلة؟ بين هذا وذاك، تقف المنطقة كلها على حافة مرحلة مختلفة تمامًا.

الحسابات لم تعد تقنية فقط، بل سياسية بالدرجة الأولى. ووسط هذا المشهد المضطرب، تظل الخيارات الثلاثة مفتوحة، لكن الوقت ليس فى صالح أحد. فإما أن تجد إيران صيغة ذكية توازن بها بين الداخل والخارج، بين الردع والانفتاح، وإما أن تدخل مرحلة جديدة، قد تكون أخطر مما سبق.

التعليقات