نشرت صحيفة The Guardian مقالا للكاتبين «لوك هاردنج» و«جايسون بارك» تناولوا فيها عرض ما جاء فى وثائق مسربة حول مساعى روسيا لزيادة تأثيرها وتعزيز وجودها فى القارة الإفريقية. تتناول المقالة عرض الاستراتيجيات التى انتهجتها روسيا فى القارة وما تطمح إليه فى المستقبل.
حسبما كشفت الوثائق المسربة، تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها فى ما لا يقل عن 13 دولة فى جميع أنحاء إفريقيا من خلال بناء علاقات مع الحكام الحاليين، وإبرام الصفقات العسكرية، وإعداد جيل جديد من «القادة» و«العملاء» السريين.
يقود مهمة زيادة النفوذ الروسى فى القارة «يفغينى بريجوزين»، وهو رجل أعمال مقيم فى سان بطرسبرج وحليف مقرب من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وتشير التقارير إلى أن روسيا ترغب فى طرد الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة ــ بريطانيا وفرنسا ــ من القارة والتصدى للانتفاضات الموالية للغرب.
فى 2018، اتهم روبرت موللر ــ المستشار الخاص الأمريكى ــ بريجوزين ووصفه بأنه «الطباخ الخاص» لبوتين؛ نظرا لامتلاكه شركة Troll factory، وهى شركة مقرها فى سان بطرسبرج، تقوم بعمليات للتأثير على الإنترنت لتحقيق مصالح السياسات والشركات الروسية، التى شاركت فى شن حملة إعلانية سنة 2016 ساعدت فى انتخاب الرئيس دونالد ترامب. كما يقول موللر إن مجموعة واجنر ــ شركة عسكرية خاصة تابعة لبريغوزين ــ دعمت الميليشيات فى الحرب فى أوكرانيا وسوريا.
توضح الوثائق حجم العمليات الأخيرة المرتبطة ببريجوزين فى إفريقيا، وطموح موسكو لتحويل المنطقة إلى مركز استراتيجى. العديد من الشركات المرتبطة بالطبقة الحاكمة، بما فى ذلك مجموعة واجنر، معروفون لدى العمال باسم «الشركة». وتشير الوثائق إلى أنه يتم تنسيق أنشطتها مع كبار المسئولين داخل وزارتى الخارجية والدفاع الروسية.
***
لم يبد بوتين اهتمامًا كبيرًا بإفريقيا فى الألفية الجديدة. لكن العقوبات الغربية التى فرضت عليه فى عام 2014 بسبب ضم شبه جزيرة القرم دفعت موسكو إلى البحث عن حلفاء فى مواقع جيوسياسية وفرص جديدة.
روسيا لها وجود عسكرى ومهمة حفظ سلام فى جمهورية إفريقيا الوسطى. جمهورية إفريقيا الوسطى توصف بأنها «ذات أهمية استراتيجية» و«منطقة عازلة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحى». وتقول الوثائق إن هذا يسمح لموسكو بالتوسع «عبر القارة»، وتسمح للشركات الروسية بإبرام صفقات مربحة بخصوص الموارد الطبيعية والمعدنية.
فى 24 مايو، أعلن الكرملين أنه سيرسل فريقًا من خبراء الجيش الروسى إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة لجمهورية إفريقيا الوسطى. وحسب ما قاله ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، فإنهم سيقدمون لهم معدات عسكرية روسية. وقد وقعت موسكو حتى الآن اتفاقيات تعاون عسكرى مع حوالى 20 دولة إفريقية.
وبعد خمسة أيام، أعلن الكرملين أنه سيستضيف أول قمة روسية – إفريقية على الإطلاق فى أكتوبر فى منتجع سوتشى المطل على البحر الأسود. وسيترأس الحدث بوتين والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى. من المقرر أن يحضر حوالى 50 من القادة الأفارقة، والهدف هو تعزيز التعاون السياسى والاقتصادى والثقافى.
***
تم الحصول على الوثائق المسربة من قبل مركز Dossier، وهو وحدة تحقيق مقرها لندن. يتم تمويل المركز من قبل ميخائيل خودوركوفسكى، رجل الأعمال الروسى وناقد الكرملين الذى تم نفيه من روسيا.
تم توجيه النقد إلى بريجوزين عندما أنكر علاقته بمجموعة واجنر وTroll factory.. وقال إن مجموعة واجنر غير موجودة. كان بوتين قد صرح سابقًا أن الكيانات المرتبطة ببريجوزين لا تعبر عن الدولة الروسية.
وفى إحصاءات ترجع إلى ديسمبر 2018 أظهرت مستوى التعاون بين «الشركة» والحكومات الإفريقية، كل بلد على حدة. تشير إلى العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية وتدريب الشرطة والإعلام والمشاريع الإنسانية و«التنافس مع فرنسا». كما تظهر أن العلاقات الأوثق لروسيا كانت مع جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان ومدغشقر. وتليها العلاقات مع ليبيا وزيمبابوى وجنوب إفريقيا ثم جنوب السودان، وبعدها تأتى جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد وزامبيا.
تقول بعض الوثائق الأخرى إن روسيا تخطط لأن يكون لها نفوذ فى دول مثل أوغندا وغينيا الاستوائية ومالى. وتعد ليبيا وإثيوبيا كدولتين، التعاون معها ممكن. صعد الكرملين مؤخرا عملياته البرية فى ليبيا. وفى سبتمبر الماضى، سافر القائد الليبى حفتر إلى موسكو وقابل وزير الدفاع «سيرجى شويغو»، وتم رصد بريجوزين فى المحادثات.
الإحصاءات تعطى نظرة عامة على نشاط وإنجازات «الشركة» ــ الشركات المرتبطة بالطبقة الحاكمة. وهى تدعى الفضل فى التخلص من السياسيين فى جمهورية إفريقيا الوسطى المنتمين إلى فرنسا، بما فى ذلك ممثلو الجمعية الوطنية ووزير الخارجية.
فى مدغشقر، فاز الرئيس الجديد، أندرى راجولينا، بالانتخابات «بدعم الشركة». وتضيف الإحصاءات أن روسيا أنتجت ووزعت أكبر جريدة فى الجزيرة، بحوالى مليونى نسخة شهريًا. فى حين أن راجولينا ينفى تلقى المساعدة.
ومن المناطق الأخرى الرئيسية هى السودان. ففى العام الماضى، وضع المتخصصون الروس برنامجًا للإصلاح السياسى والاقتصادى، يهدف إلى إبقاء الرئيس عمر البشير فى السلطة. وشملت خطة لتشويه المتظاهرين المناهضين للحكومة، على ما يبدو نسخ ولصق من التكتيكات المستخدمة فى روسيا ضد المعارضة المناهضة لبوتين.
وكانت إحدى الحيل هى استخدام الأخبار ومقاطع الفيديو المزيفة لتصوير المتظاهرين فى الخرطوم وغيرها من المدن السودانية على أنها «معادية للإسلام» و«مؤيدة لإسرائيل» و«مؤيدة للمثليين جنسيا». وطُلب من الحكومة زيادة سعر ورق الصحف ــ لتزيد من صعوبة تعبير النقاد عن آرائهم ــ واكتشاف «الأجانب» فى التجمعات المناهضة للحكومة.
فى رسالة مسربة، كتب بريجوزين إلى البشير يشكو من أن الرئيس لم يتبع النصيحة. وذكر بريجوزين «قلة النشاط» من قبل الحكومة السودانية و«موقفها الحذر للغاية».
أطاح الجيش السودانى بالبشير فى أبريل الماضى فى انقلاب عسكرى. وأطلقت قوات الدعم السريع السودانية الأسبوع الماضى النار على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة متظاهر. وقد حث المستشارون الروس المجلس العسكرى السودانى على قمع الناشطين «بأقل عدد ممكن من الخسائر فى الأرواح»، على حد تعبير أحد مصادر النظام السابق لشبكة CNN.
***
إلى جانب ذلك، تحرص موسكو على استغلال النزاع الإقليمى فى جزر القمر. تسيطر فرنسا مباشرة على واحدة من أصل أربع جزر فى المحيط الهندى، جزيرة مايوت. وفى عام 2018، توجه موظفون بريجوزين إلى جزر القمر من بيلاروسيا. وكان هدفهم اختبار ما إذا كان من الممكن استخدام «التقنيات السياسية» لإشعال الخلاف بين باريس وحكومة جزر القمر أم لا.
تتضمن اقتراحات أخرى فى الوثائق مخططات لبناء طرق وسكك حديد عبر إفريقيا. يمكن بناء خط سكة حديد يربط داكار فى السنغال مع بورتسودان فى السودان، على طول «طريق الحج القديم». وتم اقتراح طريق منفصل بطول 2,300 ميل (3,700 كم) يربط بورتسودان مع دوالا فى الكاميرون. وهو ما لم يحدث حتى الآن.
تظهر خطة لإحياء «الوعى الإفريقى» على غرار فكرة العالم الروسى لروسكى مير. أصبح هذا المفهوم كثير الاستخدام فى عهد بوتين ويدل على القوة والثقافة الروسية التى تتجاوز الحدود الحالية.
ورقة عمل بعنوان «العالم الإفريقى» تدعو إلى تطوير «الهوية الذاتية الإفريقية». وتوصى بجمع قاعدة بيانات عن الأفارقة الذين يعيشون فى الولايات المتحدة وأوروبا، والتى يمكن استخدامهم ليكونوا «قادة المستقبل» أو «عملاء للتأثير». الهدف النهائى هو «سلسلة من الممثلين المخلصين فى جميع أنحاء الأراضى الإفريقية»، كما تقول ورقة مارس 2018. وتشمل التدابير العملية الأكثر إلحاحا إنشاء منظمات غير حكومية تسيطر عليها روسيا فى الدول الإفريقية.
من غير الواضح فى الوثائق مدى تقدم مبادرات بريجوزين. هناك أدلة على أن المشاريع الإعلامية المذكورة فى الوثائق تعمل الآن ــ وإن كان لها تأثير هامشى. وهى تشمل موقعًا إلكترونيًا ــ Africa Daily Voice ــ ومقرها فى المغرب، وخدمة أخبار باللغة الفرنسية ــ Afrique Panorama ــ ومقرها فى عاصمة مدغشقر أنتاناناريفو.
يقدم العملاء الروس أفكارًا حول السياسة العالمية. تقول إحدى أوراق السياسة، بعنوان «النفوذ الروسى فى إفريقيا»، إن موسكو بحاجة إلى إيجاد «شركاء يعتمد عليهم بين الدول الإفريقية» ويجب أن تنشئ قواعد عسكرية.
إعداد:
ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
http://bit.ly/2MKX6Rj