فى 1 سبتمبر الماضى ارسل لى الكاتب الراحل بهاء عبدالمجيد رسالة قال فيها (انت جتلى فى الحلم، كنت فى كليتى وواقف أمام القسم بتاعنا وبعدين انا شوفتك كان حواليك طلبة كتير والدنيا مش نور كفاية ندهت عليك سلمت عليا، سألتنى انت بتشتغل هنا قلتلك اه والله، ورغم انه كان فى يافطة باسمى على المكتب انا حاولت اقنعك بإنى فى مكانى وان دا قسم انجليزى وبين اخذ ورد الحلم تلاشى) واتصل بى بعدها يشرح لى الحلم وابلغنى انه يعاتبنى بشدة لانى لم اقرأ روايته الاخيرة (القطيفة الحمراء) لكنه تجاوز العتاب بسرعة، معبرا عن سعادته لانى اصدرت كتابا جديدا وقال انه سيأتى إلى الاهرام لأن لديه موعدا هناك مع صديق مشترك، ويريد ان يرانى والتقينا فعلا وظل معنا على امتداد النهار يلتقط الكثير من الصور وينشرها على حسابه الشخصى، وتناولنا الغداء معا، وضحكنا على امور كثيرة جمعتنا ولمست فيه رغبة فى الحصول على احدى الجوائز الادبية قائلا: (ان الجائزة ستبهجه، لأن مزاجه العام سيئ جدا) وطلبت منه التوقف عن كتابة بعض التغريدات على مواقع التواصل وكان فيها يعرب عن امله فى تحويل رواياته إلى اعمال درامية لانها قد تترك انطباعا سيئا.
وبعدها بأيام قرأت على مواقع التواصل الاجتماعى الاستغاثة التى وجهها لرئيس الجمهورية مطالبا برعاية صحية لعله ينجو من الكورونا لاجل ولديه حلا وياسين، وفى نهاية الاستغاثة وضع اسمى لكى اتولى الاتصال بوزارة الثقافة والجهات المعنية وهالنى ان تلك الاستغاثة تشاركها نحو ٢٥ الف مواطن، وخلال ساعات قليلة تلقيت اتصالات من مكاتب تابعة لوزيرى الصحة والثقافة وعلمت من اصدقاء انهم تواصلوا مع رئاسة الوزراء واتصل بى بعدها نائب رئيس اتحاد الكتاب وكل هؤلاء تساءلوا عن الدعم المطلوب ومعهم الدكتورة ايناس عبدالدايم وزيرة الثقافة التى قالت لى ما هو المطلوب بالضبط لكى نساعد؟!
حين لجأت لشقيقه للاستفسار منه عما يحتاجه بهاء قالى لى ان ما يحتاجه هو رعاية متواصلة تفتقر إليها المستشفى بحكم قلة عدد افراد الطاقم الطبى فى ظل الوباء.
قال لى ايضا ان بهاء بحاجة إلى الكثير من الدعم النفسى والمعنوى ليتخطى الازمة لكن رحمة الله سبقت الجميع وتركت لى ورطة التفكير فى دلالات موته والمعانى التى تقف خلف استغاثته بى وانا لم اقدم له طوال عشرين عاما مساحة أكثر من تلك التى تجمعنى بغالبية الاصدقاء.
وقد عرفته فى مؤسسة الأهرام حيث كان يعمل بالقطعة بمعهد الأهرام للصحافة قبل ان يلتحق بكلية التربية معيدا فى قسم اللغة الانجليزية ويواصل مسيرته هناك ويحصل على درجة الدكتوراه من جامعة ايرلندية وخلال سنوات دراسته تعمق فى دراسة الشاعر الحاصل على نوبل شيموس هينى وكذلك جيمس جويس صاحب رواية «عوليس» وقد كتب العديد من الاعمال الابداعية التى اظهر فيها الكثير من الولع باجواء جويس وايرلندا التى قال لى انه يعرفها مثل كف يده.
وعقب موته المباغت فكرت فى مسيرته الإنسانية التى وجدت تقديرا من اصدقاء ومتابعين له على مواقع التواصل الاجتماعى فقد وجد كل صديق ذكرى طيبة من بهاء الذى احتفظ بروحه انيقة وراقية وكانت تسبقه دوما صفته كوريث لمحل ورد شهير بحى المعادى، تصرف فى أمور كثيرة بما يليق ببستانى يقدر هشاشة الورد، يفهم كيف يتعامل مع عطره ليبقى محتفظا بأثره وتأثيره وكأن هذا الفهم هو المفتاح لمسيرته كلها، فلم يتورط ابدا فى الاذى أو الضغينة واحتفظ بروحه فى حالة النقاء الخالص ساعيا إلى الحفاظ على «الاثر» واعرف انه كان ينفق الكثير من الوقت لاجل الاخرين، الطلاب والاصدقاء، وتصرف بكرم كبير مع الجميع، كما يليق بمتصوف زاهد احب كتاباته وافرط فى تدليلها كمن يدلل شجرة.
وتمنى مثل اغلب مبدعينا لو أن هذه الكتابات التى اعتنى بنشرها مع دور نشر كثيرة تحظى بالاهتمام الذى كان يتوقعه وكنت اعتب عليه فى هذا الجانب لكنه يطالبنى بالتفكير فى طريقة تساعد الكاتب، أى كاتب، على ان يصل بأعماله إلى الناس لكى يقفز إلى فكرة اهم تتجاوز الحيز الشخصى فى المشكلة لنبدأ التفكير فى المكسب الذى يمكن ان يتحقق للجميع وهكذا فكر بهاء وهكذا عاش، رقيقا كوردة وهشا كأغنية عاطفية وجميلا مثل جملة موسيقية تترك اثرها فى الروح، فوداعا يا صديقى الذى ترك لى حلما يؤرقنى إلى الابد.