** الأيام ولياليها مقسمة الآن بين اللعب، وبين الحرب. لعب كأس العالم للأندية فى أمريكا، وحرب إيران مع إسرائيل فى الشرق الأوسط. وفى مشاهدة اللعب متعة، وإثارة، ودروس، وفى الحرب دراما وألم وحزن على الإنسان. وفى اللعب أهداف تنتزع الصيحات، وفى حرب إيران وإسرائيل أهداف تحرك الحناجر بالصياح والهتاف، فكل صاروخ يصيب أرض حيفا أو تل أبيب أو أى ثقب فى إسرائيل تتعالى الصيحات، فى المدرجات من المحيط إلى الخليج، كأن الصاروخ هدفه هز الشباك.
** للأسف لا أحد يحب أن يحتفل بالقتال وبالألم وبالضحايا هناك وهناك فى طهران وفى تل أبيب، لكن سوف تمر عشرات السنين حتى تفهم إسرائيل كيف ولماذا صنعت حولها محيطًا وأجيالًا قادمة تحمل فى عقلها الغضب والكراهية، ما عاشته على الهواء مباشرة من عمليات قتل واغتيال للرجال والنساء والأطفال فى غزة، بحجة سحق حماس التى أشعلت حربًا غير محسوبة النتائج فدفع أهل غزة ثمنًا باهظًا للغاية.
** عذرا أعود إلى الملعب، إلى مباراة بالميراس البرازيلى وبورتو البرتغالى، وهى معركة لاتينية عنيفة (أربع فرق أوروبية من المدرسة اللاتينية وهى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال)، تسلح فيها لاعبو الفريقين بالقوة البدنية واللياقة والسرعة، وتضييق المساحات والضغط والشراسة، والمهارات أيضا، فلعب الفريقان معظم الوقت فى 30 مترًا كمساحة متحركة من الملعب. كلاهما يهاجم بزيادة عددية ويدافع بنفس الزيادة، واللاعب الذى يمتلك الكرة لايجد لحظة متاحة للتصرف فيها. كانت مباراة قوية، بسبب قوة الصراع. وحقا كانت أشبه بحرب فى ملعب أو بمعركة رياضية؟
** أستمر مع اللعب، وأحتفى بأداء باريس سان جيرمان الرائع. فهذا الفريق الشاب مع مدربه إنريكى قدم مباراة رائعة ونتيجة غير متوقعة أمام الإسبانى إتلتيكو مدريد. فاز باريس بأربعة أهداف مقابل لا شىء، والمسألة ليست لاعبًا ناقصًا طرد من صفوف أتلتيكو، لكنه فارق الرغبة والشغف والعطش والمهارات والحيوية والطموح، بين الفريق الباريسى الذى دخل دائرة القمة الأوروبية، وبات مرشحًا للقب المونديال، وبين أتلتيكو التقليدى الذى افتقد التغيير والابتكار طوال سنوات.
** اختصر إنريكى سر باريس سان جيرمان. وهو تحركات اللاعبين، فكل لاعب يعرف متى وكيف يتحرك وإلى أين يتجه وفقًا لتوقيت تفرضه حركة الفريق ككل وحركة الكرة، وهى الأسرع من حركة الفريق ومن حركة اللاعب بالأساس، إلا أن التحرك بدون الكرة، وفى التوقيت السليم، وفى الاتجاه الصحيح، وفى المساحة الخالية، يصنع توافقًا ديناميكيًا بين جموع اللاعبين وحركة الكرة والفريق؟
** قد يكون هذا كلامًا مرسلًا عند بعض المحللين، الذين جعلوا اللاعبين أرقامًا، وجعلوا الأدوار محكومة بتلك الأرقام، بينما الواقع هو أن تطور كرة القدم صنع ما يسمى بالفوضى الخلاقة، بمهارات جديدة، اللياقة الفائقة والخفة والرشاقة والمهارة والقوة والسرعة، ثم السيطرة على الكرة فى أضيق المساحات.. فى لعبة لم تعد فيها مساحات؟
** أداء باريس سان جيرمان جعل المباراة ممتعة رغم فارق القوة وغياب الصراع بين الطرفين، بينما كانت مباراة بايرن ميونيخ مع أوكلاند مملة، ورتيبة، ولا طعم لها، رغم أنها شهدت فوز الفريق الألمانى العريق بعشرة أهداف مقابل لا شىء للفريق القادم من منطقة الأوقيانوس للمرة 12 إلى كأس العالم للأندية وينافس أوكلاند فى منطقته فرقا من تاهييتى، وتونجا، وجزر سليمان، وساموا، وفيجى، وجرز كوك.. وغيرهم من منافسين فأصبح أوكلاند النيوزيلندى منافسًا لنفسه، ويلعب فى المنطقة وحدة؟
** اليوم بما فيه من 24 ساعة لا يسع لكل اللعب ولكل الحرب. فمباريات كأس العالم للأندية كثيرة ومتتالية وفارق التوقيت بين الشرق الأوسط وبين أمريكا جعل المتابعة الكاملة صعبة. ومباراة الحرب طويلة ولا تتوقف على مدى 24 ساعة، ففى الحرب لا توجد فترة بين شوطين، ولا توجد فترة راحة لتناول بعض الماء، بسبب شدة الحرارة على الرغم من جهنم نار السلاح.