تخصيب اليورانيوم في الاستراتيجية الإيرانية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 يونيو 2025 1:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

تخصيب اليورانيوم في الاستراتيجية الإيرانية

نشر فى : الإثنين 16 يونيو 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 16 يونيو 2025 - 8:00 م

رغم الهجمات الإسرائيلية، المدعومة أمريكيًا، ضد إيران، لا تزال إشكالية تخصيب اليورانيوم داخلها؛ تعرقل مفاوضاتها النووية مع واشنطن، تنذر بتصعيد مواجهتها مع إسرائيل وأمريكا، كما تعيق التوصل إلى اتفاق يكفل رفع العقوبات الغربية، التى تثقل كاهل الإيرانيين؛ ويبدد مخاوف المجتمع الدولى إزاء احتمالات امتلاك طهران السلاح النووى.

عبر تعنتها وسياساتها المراوغة، تسهم طهران فى تعميق فجوة الثقة مع العالم. فرغم العقوبات المشددة والعزلة الدبلوماسية، نجحت عام 2006، فى بناء منظومة وطنية معقدة ومتطورة لتخصيب اليورانيوم محليا. وبعد ثلاث سنوات من انسحاب، ترامب، من «خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015»، تمكنت عام2021، من تجاوز العقبة التقنية الأصعب، عبر الارتقاء بنسبة التخصيب من20 إلى 60%، بما يمهد لقفزات أيسر وأسرع لإدراك مستوى 90%، اللازم لتصنيع السلاح النووى. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فاقمت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، إلى 275 كيلوجرامًا فى مارس 2025. ثم إلى 408,6 كيلوجرام نهاية مايو المنقضى. ما يجعلها الدولة الوحيدة غير المسلحة نوويًّا، التى تقوم بتخصيب اليوارنيوم بهذا المستوى المقلق، كما تنتج وتخزن اليورانيوم عالى التخصيب بتلك الكميات المخيفة. وفى تقريرها الأخير، نددت الوكالة بمستوى تعاون إيران، الذى وصفته بأنه «أقل من مُرضٍ». لذلك، تصدر مطلبا تصفير التخصيب داخلها، والتخلص من مخزونها المرعب من اليورانيوم المخصب، أو نقله خارجها، قائمة الشروط الأمريكية والإسرائيلية لإبرام اتفاق مستدام، والعدول عن أى تصعيد عسكرى يستهدف المنشآت النووية الإيرانية.

من جانبها، تؤكد طهران أن تمسكها بحقها فى تخصيب اليورانيوم، محليًا، أمر غير قابل للتفاوض، كما تعتبر مسألة نقل مخزون اليورانيوم المخصب خارج أراضيها، خطا أحمر. وتستند، فى ذلك، إلى اعتبارات شتى.

حسابات سيادية: حيث تعتقد إيران أن تخصيب اليورانيوم، محليا، ليس مجرد قضية تقنية نووية، بقدرما، يرتبط ارتباطًا وثيقًا، باعتبارات السيادة الوطنية، الكرامة والاستقلال الاستراتيجى. وفى هذا، يقول وزير الخارجية، عراقجى: "إن برنامج تخصيب اليورانيوم مصدر فخر لإيران، وإنجاز علمى وتكنولوجى مُشَرف لعلمائها. فهو ليس نجاحا زائفا، يجب التبرؤ منه، أو منتجا مستوردًا يمكن التخلى عنه. وبالتالى، فإن أية محاولة لتفكيك هذا البرنامج تُعدّ تقويضا للحقوق السيادية، وتهديدًا وجوديًا لما تعتبره طهران مكونا محليا أصيلا لهويتها الوطنية النووية.

حق قانونى، إذ يوقن الإيرانيون أن تخصيب بلادهم اليورانيوم هو "حق قانونى" لها، بموجب آليتين قانونيتين: أولاهما محلية، وتنصرف إلى قانون "العمل الإستراتيجى لإلغاء العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيرانى"، الذى أقره البرلمان فى ديسمبر2020، ويُلزم الحكومة بضمان حماية تلك الحقوق، لاسيما "تخصيب اليورانيوم". أما ثانيتهما، فدولية، تتصل بعضوية إيران فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) للعام 1968، والتى تقر حق الدول الأعضاء بها، فى امتلاك دورة وقود نووى كاملة. ومن ثم، صرح، عراقجى، أن إيران وقعت، منذ فترة طويلة، على معاهدة حظر الانتشار النووى، وبالتالى، يحق لها امتلاك دورتها الوطنية الكاملة للوقود النووى". وفى ذات السياق، أكد الرئيس، بزشكيان، أن "الشروط الأساسية لأى اتفاق نووى جديد، تتلاقى تماما مع القوانين الدولية، التى تشرعن تخصيب طهران لليورانيوم، فى إطارالاستخدام السلمى للطاقة النووية".

أداة ردع، فما برحت النخبة الحاكمة فى إيران، ترى فى برنامج بلادها النووى أداة ردع استراتيجى لدرء تهديدات الخصوم والأعداء. وفى هذا السياق، صرّح رئيس المجلس الإستراتيجى للسياسات الخارجية، كمال خرازى، بأن "إيران باتت تمتلك اليوم وسيلة ردع فاعلة تتمثل فى القدرة الفنية على إنتاج السلاح النووى، إذا ما اضطرتها الظروف لذلك". كما وصفت وسائل إعلام رسمية "التقدم النووى" بأنه ركن ركين للعقيدة الدفاعية الإيرانية. وبالتالى، تسعى إيران، لاستثمار قدراتها على رفع مستوى التخصيب، ومضاعفة كميات اليورانيوم المخصب، لحمل الغرب على إنهاء العقوبات ،بما يُمكنها من عبور أزماتها الاقتصادية، وتعزيز نفوذها الإقليمى. وترى طهران أن أية محاولة لتفكيك أو تصفير برنامج التخصيب، لا تعد غير واقعية من الناحيتين القانونية والتقنية فحسب، ولكنها تشكل تهديدًا وجوديًا لما تعتبره طهران، رافدا من روافد هويتها الوطنية النووية، التى تحوّلت إلى ركيزة أساسية فى استراتيجية الردع الإيرانية.

ورقة تفاوضية: يحسب مراقبون غربيون أن إيران تستخدم قدراتها التقنية على رفع مستويات تخصيب اليورانيوم محليا، وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، أو العالى التخصيب، عقب انسحاب، ترامب، سنة 2018، من اتفاق عام 2015، ورقة تفاوضية مهمة إزاء الغرب. حيث استغلت ذلك الانسحاب، ثم تعثر المفاوضات النووية الحالية، لتطوير قدراتها النووية وتكثيف الضغوط على القوى الغربية، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق نووى جديد، يضمن رفع العقوبات عنها، دون المساس بحقوقها فى تخصيب اليورانيوم، واستبقاء برنامجيها لتطوير الصواريخ والمسيرات. لذا، تؤكد طهران أن المفاوضات النووية الجارية لا تدور حول حقها فى تخصيب اليورانيوم، وإنما تتركز، فقط، فى إمكانية تقليص مستوى التخصيب.

مجابهة الابتزاز الغربى، لما كان تخصيب اليورانيوم يعد صلب أى برنامج نووى ورصيده المعرفى والعلمى، تحرص إيران على عدم السماح لواشنطن وحلفائها باستخدام تخصيب اليورانيوم سلاحا لإذلال الإيرانيين، والتحكم فى مصير برنامجهم النووى. ففى خطابه بمناسبة ذكرى رحيل، الخمينى، فى الرابع من الشهر الجارى، اعتبر المرشد، خامنئى، مطالب تصفير التخصيب، محض هُراء، ومؤامرة لسلب إيران حقوقها السيادية ورصيدها التراكمى من المعرفة العلمية والتكنولوجية، وجعلها ذليلة للغرب وتابعة له. وجدد رفضه تجريد البرنامج النووى الإيرانى من قلبه النابض، المتمثل فى التخصيب، حتى لا يفقد أهميته. بدورها، تخشى النواة الصلبة لصناعة القرارالإيرانى، أن يفضى تخلى طهران عن التخصيب، إلى سلسلة تنازلات لا نهائية؛ تبدأ بتفكيك أجهزة الطرد المركزى، منشآت التخصيب وسائر مكونات البرنامج النووى، دون ضمانات قوية بتجميد «نهائى وفاعل» للعقوبات. وربما تفتح الباب، فى تقديرهم، أمام مطالب إضافية تشترط إخضاع برنامجى الصواريخ والمسيرات للمفاوضات، ثم الزحف باتجاه وكلاء إيران وسياساتها الإقليمية، وصولًا إلى مطالبتها بالتطبيع مع إسرائيل.

غايات مدنية، كما هو معلوم، يستخدم تخصيب اليورانيوم، بنسب تتراوح ما بين 3 و20%، لإنتاج وقود المفاعلات النووية، الذى تحتاجه محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. كما يستخدم فى المجالات الطبية، خصوصا الطب النووى لعلاج أكثرمن مليون مريض إيرانى بالسرطان. علاوة على أمراض العيون وعلوم وصناعة البصريات؛ فضلًا عن إنتاج الأدوية، التى تسعى إيران لتحقيق الاكتفاء الذاتى منها محليا. إضافة إلى استخدام الطاقة النووية فى المجالات الزراعية، لتحسين جودة المحاصيل ومكافحة الآفات ناهيكم عن الصناعة، والبحث العلمى والتكنولوجى، خاصة فى مجالات الفيزياء النووية وهندسة الطاقة. حيث تسهم التطبيقات العلمية للطاقة النووية فى تطوير التقنيات الحديثة وتنمية المعرفة التكنولوجية.

يأبى، ترامب، إلا مواصلة سياسة «الضغوط القصوى» على طهران، حالة إصرارها على المضى قدمًا فى تخصيب اليورانيوم محليًا. فما برح يباشر فرض عقوبات جديدة عليها، ملوحًا بما أسماه «البديل السيئ والأخطر»، وصولًا إلى منح إسرائيل ضوءًا أخضر لشن هجمات متوالية ضدها. أما طهران، التى تحاول، عبثًا، استعادة صدقية الردع فى مواجهة إسرائيل، عبر ردود خافتة، بإمكانات متواضعة، مصحوبة بنتائج واهنة على تلك الهجمات؛ فلم تتورع عن إعلان مقاطعتها المفاوضات النووية، جراء العدوان الإسرائيلى الحالى.

بدوره، لا يزال ترامب يتطلع إلى استثمار الضربات الإسرائيلية ضد إيران، وما ألحقته بها من خسائر وأضرار، لحمل الأخيرة على استئناف المفاوضات، من موقف تفاوضى أضعف، بحيث تقبل بقيود محددة على أنشطة التخصيب، بما يضمن سلمية أغراضها. فقد تقبل بتعليق جزئى، تدريجى ومؤقت لبرنامج التخصيب؛ مقابل رفع العقوبات، وانتزاع ضمانات من الكونجرس الأمريكى بعدم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الجديد. وربما لا تمانع طهران الانخراط فى «اتحاد إقليمى تشاركى لتخصيب اليورانيوم بمستويات متدنية»، شريطة أن يتخذ من إيران مقرًا له ولأنشطته. على أن تلتزم طهران بتسهيل مهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لجهة الإشراف الكامل، الدقيق، الدائم وغيرالمقيّد، على جميع الأنشطة والمنشآت النووية الإيرانية.

التعليقات