صارت الأفلام التى نكتب عنها هنا مألوفة، شاهدها الناس مرات عديدة وهى الموجودة بشكل متكرر على كافة القنوات، خاصة الأفلام القديمة الكلاسيكية التى صنعها أصحابها بجدية وامتلأت بالنجوم الخالدين، الذين لم يعوضنا الزمن بمثيلهم، لذا فإن الكتابة قد تكون غير مجدية، قد صرنا نحفظ تلك الأفلام، ربما لم نعد نتابعها بنفس الشوق والاهتمام، لكننى أحاول قراءة كل فيلم برؤية جديدة تجعلنى أعيد تكراره وقد ارتدى حلة مختلفة
وجديدة تماما، ففيلم «شاطئ الغرام» إخراج بركات 1950 مأخوذ عن رواية «ثيلما» للكاتبة البريطانية مارى كوريلى، وهى مترجمة فى سلسلة الروايات العالمية باسم «سلمى»، هذه الرواية التى كان الشباب يتبادلونها فيما بينهم عند صدورها باللغة العربية، وللأسف فإن الأفلام الأوروبية المأخوذة عنها لم تترك أثرها لدى المتفرج المصرى، ولعل السبب فى ذلك هو وجود ليلى مراد بسحرها، لكن هناك ملحوظة يجب التوقف عندها، وهى أن المخرج بركات كان يرجع الى النصوص الأدبية الأجنبية أكثر من اقتباسه للأفلام السينمائية، بمعنى أن هذا الفيلم مأخوذ عن الرواية، ربما الطبعة الإنجليزية أو الترجمة الفرنسية، وذلك مثل كافة أفلامه الأخرى ذات المصدر الأجنبى، ومنها «ارحم دموعى»، «لحن الخلود»، «موعد غرام»، وكان فى هذه الأحوال يشرك معه فى الكتابة يوسف عيسى المعروف بثقافته الواسعة، وفى هذا الفيلم انتقل المخرج وكاتبه الى منطقة كانت بعيدة للغاية عن أماكن التصوير وهى شاطئ مرسى مطروح والتى عرفت بعد باسم شاطئ الغرام، هذه المنطقة التى ذهبت اليها منذ ثلاثين عاما للتصييف، وكم تساءلت عندما وقفت إلى جوار الصخرة: ترى من الذى أرشد الكاتب والمخرج إلى هذا المكان بالذات، لقد دار الفيلم فى منطقة مرسى مطروح، وتم تصوير مشاهد اللقاء عند صخرة العاشقين، لكن ما أبعد المسافة بين المدينة وبين تلك الصخرة، ولعلى أذكر أن فيلم «ليلة غرام» الذى تم إخراجه فى العام نفسه ليؤكد أن تلك المناطق التى كانت بعيدة قد خلت تماما من السكان، لكن حسب الفيلم فإن ليلى تعمل مدرسة ولديها تلاميذ، كما أن أباها يعمل فى مكتب التلغراف ولديه ما يرسله أو يستقبله، يعنى هذا أن بركات ذهب الى أبعد مكان من العمران، وهذه سمة من سمات السينما، هذا الفن الجرىء الذى شاهدناه يخترق شبه جزيرة سيناء من حقبة الى أخرى فعشنا فى قصص الحب فوق الرمال وإلى جوار البحر المتوسط حيث سافرت الكاميرا مع نجومها الى كافة أنحاء مصر، مما يعنى أن "سلمي" فى الرواية البريطانية قد صارت فتاة مصرية عليها أن تقع فى الحب رغم التحفظ الشديد لأبناء تلك المنطقة، وإذا جاءت للقاهرة صار عليها أن تكون ضحية لمؤامرات عمة زوجها عادل، وأيضا مكائد عشيقة عادل السابقة سهير التى دبرت ضدها ما يجعل صورتها تبدو كأنها خائنة، أى إننا أمام قصة حب موجودة فى كل مكان، لكن أصحابها يرتدون أقنعة خاصة بهم، ويبقى سحر هذا الفيلم متمثلا فى جاذبية ليلى مراد البنت البريئة، صاحبة الصوت الجميل، التى تبدو هنا ابنة مدينة كبيرة أكثر منها فتاة بدوية او ابنة الصحراء، فهى صاحبة لكنة قاهرية، بما يعنى أنها جاءت من القاهرة، وذلك عكس أى إشارة نفهم منها أنها ابنة البيئة، ونحن هنا أمام تركيبة تقليدية، فليلى هى الابنة الوحيدة لرجل عجوز ما زال يعمل لدى الحكومة لم يتزوج بعد رحيل زوجته وأيضا بعد أن تزوجت ابنته، وهذا أمر غير مستحب وربما غير موجود فى تلك المنطقة.
فى هذا الفيلم كان حسين صدقى هو العاشق الجذاب صاحب الخبرات العديدة فى العلاقات النسائية، وقد كان مقبولا فى هذا الدور، لكننى لم أعرف سبب إسناد الدور إلى أنور وجدى الذى عمل فى نفس العام مع بركات فى بطولة فيلمه العظيم «أمير الانتقام»، فلا شك أن وجدى أكثر حيوية وصدقا، لكن من المهم احترام اختيارات المخرج.