نشر موقع إندبندنت عربى مقالا للكاتب «طارق شامى»، جاء فيه ما يلى:
نادرا ما تُزعج استطلاعات الرأى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فهو لا يثق فى ما تسفر عنه من نتائج منذ أن فشلت فى توقعاتها وأجمعت على فوز غريمته هيلارى كلينتون بانتخابات الرئاسة الماضية عام 2016، لكن استطلاعات الرأى الصادرة هذه الأيام تختلف عن كل ما سبق، فهى تثير ريبة ترامب وتقضّ مضجعه، وتُنذر بإحداث شرخ بين الرئيس وأعضاء الكونجرس الجمهوريين خصوصا بعد الاستطلاع الأخير الذى أجرته شبكة «فوكس نيوز» الموالية للتيار المحافظ والحزب الجمهورى، والمناصرة للرئيس على طول الخط، فقد كشف الاستطلاع عن تأييد 51 فى المائة من الأمريكيين إجراءات اتهام الرئيس الأمريكى فى مجلس النواب، بل وعزله من منصبه، بينما أيد أربعة فى المائة إجراءات الاتهام ولكن مع رفض عزله من سُدة الحكم.
مفاجأة فوكس نيوز
ما يقلق الجمهوريين من استطلاع «فوكس نيوز»، هى التفاصيل الدقيقة التى كشفها الاستطلاع، وأوضح أن ستة من بين كل 10 نساء فى المدن والمناطق الحضرية يؤيدن عزل ترامب، وأن واحدا من بين كل 10 ناخبين صوتوا لصالح ترامب فى انتخابات 2016 يوافق الآن على طرده من البيت الأبيض، بينما يوافق على ذلك واحد من بين كل ثمانية جمهوريين، ما يعنى أن 13 فى المائة من الجمهوريين يؤيدون عزله، وهى نسبة كبيرة لم يُكشف عنها من قبل.
كما أوضح الاستطلاع أن 40 فى المائة من الجمهوريين يعتقدون أنه من غير المناسب أن يطلب ترامب من قادة أجانب التحقق فى ملفات تخص خصومه السياسيين، وأن نصف عدد المستطلعين يعتقد أن الرئيس الأمريكى يركز على خدمة مصالحه الشخصية بدلا من التركيز على مصالح الولايات المتحدة.
آثار التدمير تتزايد
غير أن استطلاعات رأى أخرى صدرت بعد استطلاع «فوكس نيوز»، كشفت أن التدمير الذى خشيه ترامب يتزايد بالفعل، وأظهر استطلاع أجرته شبكتا «إن بى آر» و«بى بى إس» الخميس الماضى، ارتفاع نسبة الأمريكيين المؤيدين لإجراءات التحقيق داخل مجلس النواب فى الاتهام ضد الرئيس، إذ أكد 52 فى المائة من الأمريكيين دعمهم التحقيق مقابل رفض 43 فى المائة.
وما يثير مخاوف الجمهوريين، أن ثلاثة استطلاعات أخرى أجراها مركز بحوث الرأى «إيبسوس»، ومؤسسة «يو غوف» وجامعة «كوينبياك»، أجمعت على تزايد تأييد الأمريكيين للتحقيقات، فضلا عن استطلاع شبكة «فوكس نيوز» الذى مثل الصدمة الكبرى لهم، وخصوصا الرئيس ترامب الذى اشتكى فى تغريدة له من أنه لم يحصل أبدا على تأييد جيد من استطلاع لشبكة «فوكس نيوز»، مؤكدا أنهم تورطوا فى هذا الاستطلاع، وأن الشبكة اختلفت عما كانت عليه سابقا.
حملة الرئيس الأمريكى أيضا هاجمت استطلاع «فوكس نيوز» بعنف، واعتبرت أنه ليس من الصعب أن يؤيد 51 فى المائة إجراءات التحقيق فى الكونجرس إذا كان نصف المستطلعين من الديمقراطيين، وأضافت أن وسائل الإعلام يجب أن تضع هذا الاستطلاع إلى حيث يستحق وهو سلة المهملات.
مخاطرة سياسية
وفقا للجمهوريين المعتدلين، فإن القلق فى صفوفهم أمر منطقى ومتوقع، ويقول كارلوس كوربيلو النائب الجمهورى السابق عن ولاية فلوريدا «إن الجمهوريين أصبحوا يدركون أن الأمر يختلف عما جرى خلال تحقيق مولر فى قضية التدخل الروسى فى الانتخابات، ذلك أن الحاصل الآن يضر بالصدقية ويحمل مخاطرة سياسية للناخبين المترددين فى الولايات والمقاطعات المتأرجحة».
أصوات القلق ومشاعر الاستياء سُمعت فى إطار ضيق داخل الحزب الجمهورى والتى ظهرت أولاها عقب الكشف عن المحادثة الهاتفية بين ترامب والرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى فى 25 يوليو الماضى، والتى يقول الديمقراطيون إن ترامب ضغط خلالها من أجل التحقيق فى ملف يخص خصمه جو بايدن أبرز المرشحين الديمقراطيين ونجله هانتر.
كما تعرض البيت الأبيض لانتقادات بين صفوف الجمهوريين بسبب بطئه فى شن هجوم على الديمقراطيين وإجراءات الاتهام فى مجلس النواب، ما جعل إدارة ترامب تسارع إلى وصف محاولات الديمقراطيين بأنها حزبية الهوى وتسعى إلى إبطال انتخابات 2016 الرئاسية.
هل يتغير ولاء الجمهوريين؟
لكن تصريحات ترامب وحملته ضد استطلاعات الرأى، تكشف درجة القلق التى تتزايد حول الرئيس، وما يعزز الشعور بعدم الارتياح، هو أن مساندة الحزب الجمهورى للرئيس حتى الآن نبعت من ملاءمة الظرف السياسى والرغبة فى تأكيد الولاء للرئيس، لكن سبب الخوف الحقيقى هو أنه إذا تغيرت المواءمة السياسية تحت ضغط تزايد الرفض الشعبى، فإن ولاء الحزب الجمهورى للرئيس ترامب قد يتغير أيضا.
ويقول ريك تايلور مدير الاتصالات والإعلام للسيناتور الجمهورى تيد كروز خلال حملته الرئاسية عام 2016 «إننا ننظر إلى نواب الكونجرس باعتبارهم قادة، ولكنهم فى الواقع ليسوا كذلك، فهم يتبعون ناخبيهم وقاعدتهم الشعبية».
ويفسر ريك ويلسون، وهو من أشد منتقدى ترامب فى الحزب الجمهورى، سبب تغير استطلاعات الرأى إلى أن ترامب يدين نفسه خلال تصريحاته ويعترف علنا بأنه اتصل بحكومات أجنبية للتأثير فى الانتخابات ضد خصومه، غير أن ويلسون الذى اعترف بتنامى الاستياء بين صفوف الجمهوريين، اعترف بأن الجمهوريين لن يتخلوا عن ترامب قريبا بسبب خشيتهم من مهاجمته للمعترضين عبر وصفهم بصفات مشينة فى تغريداته عبر تويتر.
فى المقابل، فإن الأكثر تأييدا للرئيس ترامب، يرون أن نقطة الانفصال عن الرئيس لن تحدث أبدا، ويقول فورد أوكونيل الخبير الإستراتيجى فى الحزب الجمهورى «إن الجمهوريين الذين يغامرون بالتخلى عن ترامب سيحكمون على أنفسهم بالهزيمة، وستكون تلك خطوة حمقاء، لأن كل شيء يسير باتجاه ترامب، ولهذا يصبح السير فى اتجاه معاكس فكرة غبية».
مياه جديدة فى النهر
ويتساءل آخرون عن المدى الذى يمكن للجمهوريين مواصلة الدفاع عن الرئيس ترامب إذا جرت مياه جديدة فى نهر الأحداث، بما يغير من خريطة الوضع لا سيما بعد القبض على شخصين مرتبطين بمحامى ترامب الشخصى رودى جوليانى قبل مغادرتهما الولايات المتحدة، واتهامهما بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية، وما يتردد عن إمكان انزلاق قدم جوليانى فى التحقيقات، وسعى الديمقراطيين إلى توسيع نطاق ملاحقتهم للرئيس ترامب، فلا أحد يعرف على وجه اليقين ما الذى يمكن أن تكشف عنه التحقيقات، ولعل هذا هو أكبر الأسباب التى تجعل الجمهوريين قلقين تجاه المستقبل.
النص الأصلى