هل كانت روسيا ترهن عودة السياحة بضرورة توقيع مصر على اتفاق إنشاء المفاعلات النووية فى محطة الضبعة؟!.
الإجابة تقديرية وتحتمل الصواب والخطأ.
أصحاب وجهة النظر الذين يربطون بين الملفين يقولون إن موسكو، وبعد أن وقعت مع مصر خلال زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للقاهرة يوم الإثنين الماضى على اتفاق الضبعة، سمحت بإعادة طيرانها المباشر بين القاهرة وموسكو اعتبارا من فبراير المقبل، وهو أمر لا تخطئه عين مراقب.
يضيف هؤلاء أن إجراءات التأمين والسلامة فى المطارات المصرية جيدة جدا، وتشيد بها كل الهيئات الدولية وبالتالى لم يجد جديد أو يتغير شىء فيها، قبل توقيع الاتفاق النووى أو بعده، وبالتالى فلا يمكن فهم موافقة السلطات الروسية على السماح باستئناف الطيران التجارى، خلال زيارة وزير الطيران شريف فتحى لموسكو يوم الجمعة الماضية إلا فى ضوء تحقيق هدفهم بالتوقيع على اتفاق الضبعة، الذى سيعطى روسيا مزايا اقتصادية كثيرة فهى ستقرض مصر ٢٥ مليار دولار، وتستردها ٤١ مليارا حسب تقديرات خبراء اقتصاديين، وبشروط مشددة، وغرامات تأخير كبرى فى حال تأخر مصر عن السداد. ثم إن نجاح هذا المشروع سيغرى بلدانا أخرى فى المنطقة والعالم بطلب الخبرة الروسية.
أما أصحاب وجهة النظر الأخرى، الذين يرفضون الربط بين الضبعة والسياحة فيدللون على ذلك بأن اتفاق عودة الرحلات الجوية لا يشمل إلا القاهرة فقط وليس مطارى شرم الشيخ والغردقة اللذين يفترض أن يجرى الحديث بشأنهما فى إبريل المقبل.
مصر كما يقول هؤلاء يهمها بالطبع عودة الطيران المباشر بين القاهرة وموسكو، لكن يهمها أكثر وأكثر عودة الرحلات الشارتر إلى المقاصد السياحية خصوصا شرم الشيخ والغردقة. ومادامت روسيا لم تعلن رسميا عودة الرحلات إلى هذه المقاصد السياحية، فيصعب القول إن هناك ربطا بين الموضوعين، ثم إن مصر ترفض هذا الربط وتعتبره ماسا بكرامتها كما يقول هؤلاء.
المؤكد أن روسيا أصرت ولا تزال تصر على طلبات لا يمكن لمصر قبولها، لأنها تمس سيادتها. مثلا هى طلبت أكثر من مرة وجود مفتشين روس فى صالات المطارات خصوصا شرم الشيخ، وكذلك مراقبة ومتابعة أقسام الحقائب والطعام .لا أحد ينكر أن مواقف روسيا السياسية معنا كانت أفضل كثيرا مقارنة بالمواقف الأمريكية خصوصا فى الصراع العربى الإسرائيلى، أو مواجهة الإرهاب فى المنطقة بأكملها، لكن لا يعنى ذلك الاستجابة للمطالب الروسية التى قد تمس صميم السيادة المصرية.
هل هناك لغز فيما يتعلق بالموقف الروسى من عودة السياحة؟!
للأسف يبدو الأمر كذلك، مع الموقف البريطانى. وغالبية الحجج التى ساقها الطرفان ضعيفة، وكأنهما يريدان معاقبة مصر على شىء لا نعرفه.
من حق الطرفين بالطبع الاطمئنان على سلامة مواطنيهم وسائحيهم، لأن سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء نهاية أكتوبر ٢٠١٥ ومقتل كل ركابها الـ٢٢٤، ترك جرحا غائرا لدى الروس، وجعل دولا مختلفة تخشى من تكرار نفس السيناريو. لكن الموضوع زاد فعلا على حده، ولم تقدم الحكومة الروسية ما يبرر موقفها، ولم تقدم لنا الحكومة المصرية ما يفسر سر المواقف الروسية أو البريطانية، فيما يتعلق بموضوع السياحة خصوصا المتجهة لشرم الشيخ والغردقة.
عموما. أن تعيد روسيا طائرتها التجارية فى فبراير المقبل، فتلك خطوة جيدة، حتى لو كانت متأخرة ومشروطة وناقصة.
والدرس المهم الذى يفترض أن تتعلمه الحكومة المصرية خصوصا وزارتى السياحة والطيران، وكل المؤسسات ذات الصلة، هو «ألا نضع كل بيضنا السياحى فى سلة واحدة».
جربنا الاعتماد شبه الكامل على السياحة الروسية، وكان الثمن فادحا وباهظا، المطلوب على وجه السرعة أن يتم تنويع مصادر السياحة، وألا نعتمد على سوق واحدة مهما كانت قريبة أو صديقة أو شقيقة. الاعتماد على مصدر واحد يسهل ضربه من قبل أى متربص أو حاقد أو عدو كما حدث مع الطائرة الروسية عام ٢٠١٥.