وشهد شاهد... - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وشهد شاهد...

نشر فى : الأحد 16 ديسمبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : الأحد 16 ديسمبر 2018 - 11:40 م

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه:
تتوالى الخيبات فى هذا البلد وتنكشف العورات وليس أمام التونسيين إلا التأمل فى ما يحدث والبقاء تحت وقع الصدمة أياما وأياما. فبعد المهازل التى شارك فيها عدد ممن يحتسبون من «أهل السياسة» ها هو «مجلس الشعب» تحت الأنظار مرة أخرى، وها هو أداء من يفترض أن يكونوا نواب الشعب على محك التقييم.
لابد أن نقر بفضل الغيورين على إنجاح مرحلة المسار الديمقراطى علينا فلولا تمسكهم بتطبيق مجموعة من الآليات التى تضمن الشفافية والمساءلة والمحاسبة وتمكّن المواطنين من المتابعة والاطلاع والمشاركة فى الشأن العام لما أمكن اليوم أن نتبيّن ما يجرى.
لقد كان نقل ما يحدث داخل مجلس الشعب أثناء النقاش والمداولات والتصويت عبر التلفزة الوطنية فرصة ثمينة للاطلاع عن كثب على نسبة الحضور وأشكال التعبير وطرق التفاوض وحركات الأجساد، وطرق عرض الذوات و«بلاغة القول» وصدقية الخطاب وكيفية «مسرحة الأحداث»، وأشكال المشاجرة والعراك... وليس الخبر كالمعاينة.
وها نحن اليوم أمام مشهد عرى تام يسمح لنا بالتحديق بملء العين فى عورات الجميع فتظهر لنا البشاعة والقبح ويتجلّى السقوط الأخلاقى... ولا نكاد نستثنى إلا فئة قليلة حافظت على بعض الملابس التى تسترها. ولكن هيهات فالاستثناء لا يؤسس قاعدة ولا يصنع النماذج.
ونتساءل كيف يمكن للنواب أن يدعو التونسيين إلى العمل الدءوب من أجل الإنتاج وتحقيق التنمية وهم يهجرون مقاعدهم؟ وكيف يمكن للنواب أن يشهّروا باستشراء الفساد فى مختلف المؤسسات وقد شهد شاهد من أهلهم أن نسبة منهم فاسدة وتستمتع بالحصانة فتفلت من العقاب؟ كيف يتسنى للنواب أن ينتقدوا أزمة الأخلاق والمبادئ ومنهم من يبيع ماء وجهه فى سبيل تحقيق مصلحته ومنهم من يتستر على المفسدين؟ وكيف للنواب أن ينددوا بعدم الالتزام بخدمة الصالح العام وهم يتفانون فى خدمة مصالحهم ومصالح أقاربهم؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن ينتقدوا عدم تطبيق القوانين وهم يتصرفون بطريقة تثبت أنهم لا يحترمون القوانين؟ ثم كيف للنواب أن يسألوا أعضاء الحكومة ومنهم من هو أولى بالمساءلة والمحاسبة؟
ما عاد بالإمكان اعتماد شهادات الوافدين على المجلس على ما يجرى فى الكواليس من صفقات ومواجهات وغيرها إذ صارت تدوينات عدد من النواب على الفيسبوك وتدخلات عدد منهم أمام الكاميرا رصيدا مهما لإدانة من يفترض أنهم انتخبوا لخدمة مصالح الشعب. يكفى أن تتأمل فى ما يقوله بعض النواب عن مظاهر الإثراء الفاحش لعدد من زملائهم، وكيف تبرم الصفقات وتحاك المؤامرات والدسائس والأكاذيب وغيرها لتقتنع بأن لا مجال من الاعتراف بأن «الدرس قد انتهى يا غبى».
لقد ظلت هذه الفئة القليلة صامتة طيلة أشهر لا تريد «فضح المستور» بدعوى أن لكل قطاع مشاكله، ومن العيب التشهير بالزملاء... ولكنها اليوم آثرت الكلام فعبّرت عن موقفها مما يحدث. ولكن هل يقتصر دور هذه الفئة على البوح والحكى و«الفضفضة» أم أن لها دور الإصلاح من الداخل والتعديل الذاتى لا سيما فى هذا السياق التاريخى؟
لقد ترتب على التلاعب بالمصلحة العامة وسوء أداء الواجبات فى مختلف المؤسسات وإدارة الشأن العام عدة نتائج لعل أبرزها اتساع دائرة المضربين عن المشاركة السياسية انتماء للأحزاب وترشحا وتصويتا، واستشراء حالات الغضب والاستياء والحنق الشعبى فضلا عن بروز علامات التطاحن الطبقى والصراع الجيلى وانعدام الثقة فى السياسيين والنواب وغيرهم من «اللاعبين» فى هذه المرحلة من أهل المال والسياسة ومن دار فى فلكهم من الإعلاميين. فلا غرابة والحال هذه أن تهتم مختلف وسائل الإعلام العالمية بما يجرى فى تونس خلال هذه الأشهر... البعض ينتظر سقوط الأنموذج ليهلل وينظّر، والبعض الآخر يرصد علامات المقاومة وينتظر حسن المآل...
لقد اكتشف أهل القانون الثغرات والهنات فى النظام الانتخابى وفى الدستور وكذلك فى بنية العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومعنى هذا أن مرحلة التأسيس لأنظمة ومؤسسات قد تحقّق المنشود ما زالت مستمرة. ولعل إعادة النظر فى موقع مجلس الشعب وآليات إدارته ونجاعة النظام الداخلى مطروحة اليوم بشدة على الخبراء علنا ننقذ ما يمكن إنقاذه.

التعليقات