كيانات مستقبلية.. وكيانات بغير مستقبل! - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 10:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيانات مستقبلية.. وكيانات بغير مستقبل!

نشر فى : الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 - 6:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 - 6:35 م

حينما جال بخاطرى ما جرى لسوريا الشقيقة، فى الأيام الأخيرة، أخذت أقلب الأمر مليّا حتى رجعت بخاطرى إلى أمد جدّ بعيد.. إلى أصول نشأة الكيانات السياسية، وكيف قامت وإلى أين سوف تئول.
ولما قامت (إسرائيل) بتدمير القواعد العسكرية السورية كلها تقريبًا خلال هذه الأيام من ديسمبر 2024، سألت نفسى: كيف ستعيش إسرائيل فى مقبل الأيام، وهل لها مستقبل حقا، بالمقارنة مع سوريا على سبيل التخصيص؟
• • •
الحق أن هناك نوعًا من الكيانات السياسية المرشحة للصمود والاستمرار والاستقرار؛ وهى ليست مجرد وحدات اجتماعية ــ سياسية طارئة، أو محدَثة، ولكنها (كتل تاريخية ــ جغرافية) ذات قوام اجتماعى سميك، وقوام سياسى غليظ، إن صحّ التعبير.
وفيما يلى مخطط عام شارح لذلك بتوضيح لأنواع الكيانات السياسية المعاصرة المرشحة للصمود والاستمرار والاستقرار النسبى، تأسيسًا على كونها بمثابة كتل «جغرا ــ سياسية» متجانسة نسبيًا وذات نويات صلبة قادرة على تحمل الصدمات والتقدم على خطى الاستمرارية و«الاستقرارية» الفاعلة:
فى قارة آسيا:
• الصين
• الهند
• الهند الصينية
• اليابان
فى منطقة آسيا ــ أوروبا:
• تركيا
فى أوراسيا:
• روسيا
فى إفريقيا ــ آسيا:
• المنطقة العربية (والمناطق العربية الفرعية)
• الجزائر ــ المغرب
• ليبيا ــ تونس
• مصر ــ السودان
• شبه الجزيرة العربية: (المملكة السعودية والخليج وعمان واليمن)
• العراق
فلسطين الكبرى:
(فلسطين الحالية والأردن ولبنان وسوريا)
فى أوروبا (الغربية و الشمالية):
• استقرت أوروبا تقريبًا منذ مطالع العصور الحديثة على وقع اتفاقية وستفاليا لعم 1648 ومعاهدة فيينا لعام 1815 حيث بدأ تشكل الدول الأوروبية الحديثة والمعاصرة:
• بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، أسبانيا، إيطاليا، بلدان شمال أوروبا أو اسكندنافيا.

فى إفريقيا ــ جنوب الصحراء:
• نيجيريا
• جنوب إفريقيا
فى قارتى أمريكا الشمالية والجنوبية
• الولايات المتحدة (مجزأة أو موحدة)
• البرازيل ــ الأرجنتين ــ والمكسيك
فى أوقيانوسيا
• أستراليا
ذلك مخطط عام يحتوى على الكتل «الجيوسياسية» المرشحة للاستمرار والاستقرار والصمود فى القارات الخمسة أو الستة للكرة الأرضية. وهى ــ بصور متفاوتة تفاوتا بيّنا على كل حال ــ تشكلت فى البعديّن الزمانى والمكانى، كأمم أو (مشروعات أمم ــ تحت اكتمال التكوين) منذ فجر العصر الحديث عند مطلع القرن السادس عشر الميلادى. وخذ مثالا على ذلك من تركيا التى بدأ تكونها منذ «السلاجقة» فى العصر العباسى ثم من مناطق سيطرة آل عثمان، حتى تم فتح القسطنطينية عام 1453 وإسقاط «دولة الروم» أو الدولة البيزنطية التى خلفت الإمبراطورية الرومانية الشرقية. وأعقب ذلك توسع الوجود والنفوذ التركى من أوروبا الشرقية إلى تخوم المغرب العربى الحالى قرب نقطة التقاء البحر والمحيط. وكان ما كان من سقوط الإمبراطورية فى نهايات الحرب العالمية الأولى حتى قيام الدولة التركية (الصغيرة) الحالية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وعلى أساس (معاهدة سيفر).
• • •
وينقلنا ذلك إلى دور عنصر القيادة السياسية فى سياق اكتمال تكوين الأمم وتشكل القوميات وثورات التحرر الوطنى والقومى وفق ما يسمّى «يقظة القوميات». وخذ مثالا خاصا على ذلك من يقظة الحركة القومية العربية الحديثة بنزوعها التحررى المعاصر، بقيادة جمال عبد الناصر منذ انبلاج فجر ثوة 23 يوليو 1952 بزعامته وحتى وفاته فى 28 سبتمبر 1970.
وعلى سبيل التخصيص فإن منطقة «أفريقاسيا» Africa- Asian التى هى «المنطقة العربية» المعاصرة تقريبا، تكونت تاريخيا عبر زمان أنثروبولوجى ممتد. ومن التكوّن التاريخى تنبثق لغات ولهجات. ومن حول الأرض والتاريخ واللغة، تنشأ وتتبلور حضارات أو بذور حضارات قوية، كنويات شديدة الصلابة، أو غير قابلة للكسر. وغالبا ما يكون التكوين التاريخى –الجغرافى– الثقافى والحضارى المذكور ملتئما من شرائح متراكمة عبر الزمن، وتظل فى حالة التراكم، بل «التركيم»، حتى تصير «أمّة» مكتملة Nation أو «قومية»، أو أمّة فى طور اكتمال التكوين.
هذا ينطبق على المنطقة العربية المعاصرة، والتى لا يصحّ علميا توصيفها ــ كما يقال غالبا على ألسنة المستشرقين ــ بأنها ساميّة، أو حاميّة، ولكن الأمر أعمق من ذلك، نعبر عنه بالتكوين «الأفريقاسى»، المندمج ثقافيا وحضاريا من خلال التاريخ الإنسانى الحى، المتشكّل من شرائح و«طبقات» متتابعة ملتحمة.
• • •
وفى منطقتنا العربية نجد، على سبيل المثال، «الطبقة» أو «الشريحة» العراقية، القديمة، والسورية أو الآشورية، والفينيقية، فى المشرق العربى الآسيوى، والتى التصقت بها شرائح «إفريقية» فى وادى النيل والشمال الإفريقى ــ العربى المعاصر، بالإضافة إلى الشريحة (العربية) الخالصة أو شبه الخالصة فى شبه الجزيرة العربية بمدلولها الواسع، وشريحة إفريقية فى وادى النيل. ومن تلكم الشرائح أو «الطبقات» انبثق كيان أشمل «أفريقاسى»، مشرقا وواديا للنيل ومغربا، مرشح فى إجماله لتكوين عصب (قومى) عتيد، حتى وإن لم ينتج منه كيان سياسى موحّد، بسبب الضغوط والتحديات الخارجية فى غالب الأحوال.
هنا إذن، لدينا كتلة تاريخية ــ جغرافية متماسكة القوام، إلى حدّ بعيد، هى الكتلة العربية المعاصرة، وإن لم تكتسب كيانا سياسيا فى شكل (دولة) بسبب التدخلات الخارجية أو «التوغلات» العميقة بل والعنيفة أيا فى أحايين عديدة.
فأين ذلك، من كيان هشّ جاء من خارج، واعتمد على الخارج (الكيان الصهيونى) وإن توسعت مطامعه فى جميع الاتجاهات بدون أساس عميق.
هناك إذن كيان عربى مستقبلى، يواجه كيانا هشّا بدون مستقبل (الكيان اليهودى ــ السياسى)؛ فهل بعد ذلك نخشى ضياع سوريا العربية مثلاً، ثم نخشى بقاء اليهودية ــ السياسية المجلوبة من الخارج...؟
• • •
يشير ذلك إلى نقيض ما أسميناها (كيانات غير مستقبلية) أو كيانات بلا مستقبل، غير مرشحة للاستمرار والاستقرار والصمود، وأكثر أمثلتها المعاصرة وضوحا (الكيان الصهيونى إسرائيل) بالإضافة إلى «تايوان» وشطر من أوروبا الشرقية والبلقان.
لا نخشى إذن على «وجودية» الوطن العربى، ككيان مستقبلى عتيد، وإنما نتذرّع بالتفاؤل الممتد تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وحضاريا، ليتأكد الإيمان بصلابة الكيان العربى، ومنه السورى مثلا، ضمن الكيان الأشمل، مقابل هشاشة «اليهودية السياسية» المجلوبة دون أساس، كما ذكرنا غير مرة.
تلكم مزدوجة يمكن أن يُعبّر عنها بثنائية (سوريا/ إسرائيل)، حيث كيان مستقبلى حقيقى، عربى سورى، مقابل كيان (صهيونى) بغير مستقبل، كما هو معلوم.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات