ناخبون مصريون لا يقرأون - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ناخبون مصريون لا يقرأون

نشر فى : الجمعة 18 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 يناير 2013 - 8:00 ص

ونحن على مسافة شهرين أو ثلاثة من إجراء انتخابات برلمانية لاختيار مجلس نواب مصرى جديد، علينا التذكير بوجود 14 مليون ناخب مصرى مسجل فى كشوف اللجنة العليا للانتخابات لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة، وهو ما يتعدى نسبة 26% من إجمالى الناخبين المسجلين البالغ عددهم 52 مليون ناخب.

 

وجاءت مناسبة أجراء استفتاء شعبى على الدستور منتصف الشهر الماضى، وما تبعه من جدل ساهم فى إثارته مواقف سياسية عبرت عنها تغريدات إلكترونية من الدكتور الأديب علاء الأسوانى، وتصريحات إعلامية للدكتور محمد البرادعى، لتلقى بالضوء على موضوع الأمية وعلاقته بممارسة حقوق المواطن السياسية.

 

ذكر الدكتور البرادعى فى حواره مع محطة بى بى إى PBE الأمريكية «لدينا الآن طبقة وسطى متعلمة فى ناحية، وفى الناحية الأخرى أغلبية ممن يطلق عليهم الإسلاميون والأميون». أما الدكتور الأسوانى فكتب قائلا «الأميون أهلنا نحترمهم لكنهم يصوتون على مواد لا يعرفون قراءتها، هل نمجد الأمية أم نعترف أنها معوقة»؟

 

وبالطبع لا يختلف أحد على أن أمية القراءة والكتابة تعد معوقا للديمقراطية بصفة عامة. إلا أن موقف البرادعى والأسوانى عبر تلقائيا عن التبرير السهل لفشل قوى سياسية فى التواصل مع الفقراء والمهمشين بصفة عامة. إلا أن السؤال الأهم يبقى مهملا من الجميع: كيف نقضى على عار الأمية مرة واحدة وللأبد؟ ومن أهم الحقائق الصادمة حتى اليوم يتمثل فى إهمال كل القوى السياسية الحاكمة منها أو المعارضة لملايين الشعب المصرى من الفقراء والمهمشين ممن لم يحصلوا على تعليم، ويصل عددهم اليوم إلى ما يقرب من 22 مليون مواطن.

 

•• 

 

يعرف علم الاجتماع السياسى مصطلح الصفوة بصفة عامة على أنه جماعة من ذوى النفوذ والسلطة الذين يمتلكون مقاليد القوة فى الجهاز السياسى والإدارى فى الدولة نتيجة قربهم وخدمتهم لدوائر صنع القرار. وفى الدول المتقدمة تصبح الصفوة مثل القاطرة التى تقود بقية المجتمع للأمام عن طريق تحسين معيشة الجميع، وتحسين مدارس الجميع ومستشفيات الجميع. إلا أن الصفوة فى مصر، قبل وبعد ثورة 25 يناير، لم يكن لديها رغبة ولا نية ولا مقدرة على قيادة المجتمع كله للأمام. ارتضت هذه الفئة أن تجد لنفسها مدارس ومستشفيات وخدمات مميزة بمعاييرهم، وتجاهلوا الملايين الفقيرة من جحافل الشعب المصرى.

 

عندما نجحت ثورة 25 يناير فى إسقاط نظام الرئيس حسنى مبارك، تساءلت محطة فوكس نيوز الأمريكية (يمينية الميول) قائلة: «مصر فعلتها! فلماذا لا تفعلها كوبا وتسقط نظام كاسترو؟ إلا أن السؤال الأهم هو إذا كانت الثورة الكوبية قد استطاعت خلال عام واحد من القضاء على سرطان الأمية بين فلاحين وفقراء كوبا، فلماذا لا تقدر ثورة مصر على ذلك؟

 

عندما قامت الثورة الكوبية عام 1959 بلغت نسبة الأميين فى كوبا ما يقرب من 40% من إجمالى عدد السكان البالغ حينذاك ما يزيد قليلا على سبعة ملايين نسمة. وتبنى قائدا الثورة حينذاك، الشابان فيديل كاسترو ورفيقه تشى جيفارا، خطة طموحا للقضاء على الأمية فى البلاد كونها عقبة أساسية فى سبيل نهضة وتطور البلاد. وتلخصت خطة شباب الثورة الكوبية فى القضاء على الأمية خلال عام واحد، وأطلقوا عليه «عام التعليم». وبدأت حملة محو الأمية فى كل أنحاء كوبا، وشارك فيها فرق من الشباب شكلت جيشا من المتطوعين، وغير المتطوعين، بلغ عدده أكثر من 100 ألف شخص. وبدأت الجهود فى الأول من يناير عام 1961، وقبل نهاية العام، وتحديدا فى 22 ديسمبر، بلغت نسبة الأمية فى كوبا 4% فقط، وهو ما اعتبره الكثير من الخبراء الدوليين، ومنظمة اليونسكو، معجزة الثورة الكوبية والانجاز الأهم لها، واليوم تقترب نسبة من لا يعرفون القراءة والكتابة فى كوبا من الصفر.

 

•• 

لماذا لا تطرح ثورة مصر ممثلة فى القوى السياسية الحاكمة والمعارضة والمحايدة مبادرة مشتركة للقضاء على الأمية فى بلادنا مرة واحدة، وتخلصنا من هذا العار. حسم وباء الأمية لـ 22 مليون مصرى هدفا يستحق السعى إليه رغم صعوبته، إلا انه ليس من المستحيلات.

 

قد يتبارى مفكرو مصر وساستها ومثقفوها فى التنظير للمرحلة الحالية والقادمة، والتنافس فى طرح برامج لنهضة مصر وطرق إقامة ديمقراطية حقيقية، ولكل هذا ما يبرره. إلا أن تجاهل قضية محو الأمية ليس له ما يبرره على الإطلاق، كونه مهمة وواجبا وطنيا يزيد أهمية على أى هدف سياسى آخر.

 

كان من أهم مبادئ الثورة المصرية تحقيق العدالة الاجتماعية، وخرج مشاركا فى ثورة مصر الجميع من المتعلم وغير المتعلم، الفقير والغنى، المسيحى والمسلم. مبادئ ثورتنا المصرية يجب فى سعيها لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع المصريين أن تختار البداية السليمة والمعيار الأهم والأكثر صعوبة وهو محو أمية المصريين.

 

آن الأوان للجميع أن يشارك، متطوعين أو غير متطوعين، فى تقليل الفجوة بين المصريين، وليس هناك أكثر إلحاحا من تلك الفجوة بين المواطن الذى لا يعرف مبادئ القراءة والكتابة، وبين نظرائه ممن يعرفون.

 

يجب أن يتم التعامل مع محو الأمية كقضية أمن قومى، ولا يجب أن يستهان بها، أو العمل على تأجيل النظر فيها. برامج محو الأمية التدريجية لم تؤت ثمارها خلال الستين عاما الماضية. علينا استثمار المنافسة والزخم السياسى الذى تتمتع بها مصر حاليا للقضاء على أمية ربع الشعب المصرى خلال عام واحد، وقبل حلول الذكرى الثالثة للثورة. 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات