نشر موقع Politics Today مقالا لألن جريش تناول فيه زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأخيرة لثلاث دول فى الخليج العربى ــ الإمارات وقطر والسعودية ــ وأوضح كيف أن سياسات ماكرون تجاه منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو البراجماتية، فيحاول من خلالها ملء الفراغ الذى خلفته الولايات المتحدة جراء انسحابها من المنطقة، وتقوية علاقاته بالدول المسلمة فى وقت تشغل فيه قضية الإسلام والمسلمين حيزا هاما فى الانتخابات الفرنسية القادمة، وهذا بدون التطرق لمواضيع تخص الديمقراطية أو حقوق الإنسان... نعرض منه ما يلى:فى 3 و4 ديسمبر 2021، سافر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى الخليج فى زيارة قصيرة إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية. مع دخول فرنسا موسم الانتخابات، قد تصبح هذه الرحلة آخر رحلة خارج أوروبا لماكرون الذى يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 10 و24 إبريل 2022.
يرى كاتب المقال أن رحلة ماكرون إلى دول الخليج تلقى الضوء على أهمية تلك الدول، ويقول إنه ربما يمكن ذكر مستويين من الأهمية على الأقل؛ أولا، فى وقت تنسحب الولايات المتحدة فيه من المنطقة، تحاول فرنسا شغل الفراغ الذى تركته، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ثانيا، فى وقت تقع فيه قضية الإسلام والمسلمين فى قلب الحملة الانتخابية، يحاول ماكرون الحصول على تأييد لموقف فرنسا ضد التطرف، وخاصة بعد تبنى قانون «مناهضة الانفصالية»، والذى أعيد تسميته إلى «قانون تعزيز مبادئ الجمهورية»، الذى دخل حيز التنفيذ فى أغسطس 2021 ونتج عنه موجة غضب فى العالم الإسلامى ــ وأماكن أخرى ــ حيث بدا وكأنه (وهو فى الواقع) قانون ضد الإسلام والمسلمين.
•••
يرى الكاتب أن زيارة ماكرون لأبوظبى كانت الأكثر نجاحا، حيث تربط ماكرون ومحمد بن زايد علاقة شخصية قوية. تم توقيع عقد لبيع 80 طائرة رافال وبيع اثنتى عشر طائرة هيليكوبتر من طراز «يوروكوبتر إى سى 725 كاراكال»، والتوقيع على اتفاقيات شراكة اقتصادية مختلفة. صرح ماكرون بأن هذا العقد العسكرى بمكونات فرنسية يعد الأكبر فى التاريخ الفرنسى، والذى بلغت قيمته 17 مليار يورو.
بالنسبة لماكرون، هذا دليل على العلاقة القوية بين باريس وأبو ظبى، فيقول ماكرون أن «الإمارات وولى العهد رأيا أن فرنسا شريكا قويا فى مكافحة الإرهاب (...)، أى أننا حافظنا على التزاماتنا فى المنطقة وأننا مرتبطون بتوازنها». فالأمر لا يتعلق بمبيعات الأسلحة فحسب، بل يتعلق بالتنسيق بين أبو ظبى وباريس فى «الحرب ضد الإرهاب» (خاصة فى ليبيا)، وفى محاربة «الإسلام السياسى»، كما يتضح من وجود المنسق الوطنى للاستخبارات ومكافحة الإرهاب لوران نونيز فى الرحلة. ويحظى دعم محمد بن زايد للقوانين الفرنسية ضد «الانفصالية» بتقدير خاص.
يشير الكاتب إلى ملاحظة يعدها هامة وهى عدم تعليق الرئيس الفرنسى على طبيعة النظام فى أبوظبى، أو التدخل الإماراتى فى حرب اليمن، أو عن استخدام الإمارات لبرنامج بيجاسوس للتجسس. ومع ذلك، بعد أيام قليلة من رحلة ماكرون لأبى ظبى، سلط تقرير صادر عن الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان فى الإمارات والتواطؤ الفرنسى.
•••
المحطة الثانية للرحلة كانت فى الدوحة. فى الاجتماع الذى جرى يشير الكاتب إلى حدث لم يتم تغطيته كما يجب، حيث تم التطرق لموضوع دعم مصادر قطرية لجوامع وجمعيات فرنسية ومؤسسات أخرى. طالبت فرنسا بإيقاف هذا الدعم، إلا أن مسئولا قطريا اعترض على هذا ورأى أن هذه التهمة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب قطر، وأكد أن الحكومة القطرية تعمل بشكل وثيق مع نظرائها الفرنسيين فى العديد من المبادرات الثنائية والدولية لمكافحة التمويل غير المشروع. إلى جانب هذا، يوضح الحدث تركيز ماكرون على السيطرة على مسلمى فرنسا واستعداده للتأكيد على أنه يفعل كل ما فى وسعه لمواجهة «الإسلام السياسى».
•••
أنهى ماكرون جولته فى الخليج بزيارة المملكة العربية السعودية، والتى يراها الكاتب زيارة مثيرة للجدل. لأول مرة بعد حادثة مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى فى أكتوبر 2018 يوافق رئيس لدولة كبيرة فى العالم الغربى على مقابلة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان. ولم تكن العلاقات بين محمد بن سلمان وماكرون جيدة منذ أن تدخل ماكرون فى أحداث سعد الحريرى فى عام 2018، عندما قام الأخير بإعلان استقالته من الرياض.
فى حين كان الهدف من الاجتماع تعزيز العلاقات الثنائية والاستفادة من الخلاف بين واشنطن والرياض، حيث رفض الرئيس جو بايدن أى اتصال مع محمد بن سلمان، كان أحد الأهداف أيضا هو خلق وساطة جديدة مع لبنان، فتوتر العلاقات بين السعودية ولبنان يفاقم من الأزمة الاقتصادية الموجودة بالفعل فى لبنان. كانت النتيجة متواضعة: محادثة بين رئيس الوزراء اللبنانى نجيب ميقاتى ومحمد بن سلمان على هاتف ماكرون. لم ينتج عن الزيارة أكثر من ذلك ــ لا عودة للسفراء ولا عودة للعلاقات التجارية.
خلال الرحلة، لم تكن مسألة الاتفاق النووى مع إيران فى قلب المحادثات. أصدر ماكرون إعلانا واحدا يطالب دول الخليج وإسرائيل بالانضمام إليه، وهو إعلان قد يستفز إيران وحتى الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أيضا أن قضية فلسطين لم يتم تناولها، حيث دعمت فرنسا اتفاقيات إبراهام وتخلت إلى حد كبير عن موقفها التقليدى من حل القضية الفلسطينية.
•••
هناك ثلاث استنتاجات واضحة لزيارة ماكرون للخليج. أولا، تميزت الرحلة بغياب أى إشارة من قبل فرنسا لحقوق الإنسان فى المنطقة، ومن الواضح أن السياسات التى تتبعها فرنسا الآن فى المنطقة لا تولى اهتماما كبيرا لمسألة الديمقراطية فى الشرق الأوسط.
ثانيا، أوضحت زيارة ماكرون أهمية البعد «الإسلامى» فى السياسة الخارجية الفرنسية، وهى سياسة تثقل كاهل باريس التى تعد العاصمة الغربية الوحيدة التى تظهر هذا القدر من الهوس بالإسلام والمسلمين. أخيرا، تظهر زيارة ماكرون أنه لا يزال بإمكان فرنسا أن تكون طرفا فاعلا فى الخليج والشرق الأوسط، ويمكنها الدفاع عن مصالحها هناك، لكن ثقلها محدود، لا سيما فى النزاعات الإقليمية (إيران، سوريا، فلسطين، اليمن)، ليس فقط عند مقارنتها بالولايات المتحدة، بل أيضا مع قوى إقليمية مثل تركيا أو إيران أو روسيا.
إعداد: ابتهال أحمد عبد الغنيالنص الأصلي