كان لافتا أنه حين خرجت مظاهرات الجمعة تهتف بسقوط دولة المرشد وحكم الإخوان، توجهت جماعات من الألتراس إلى مبنى وزارة الدفاع تندد بحكم العسكر وتطالب بالقصاص للشهداء ومحاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان، وكما تابعنا، فقد وقعت احتكاكات بين الطرفين وصلت إلى حد التشابك بالأيدى، انتهت ولله الحمد بإصابات طفيفة.
البعض ربط بين الهجوم على العسكر ، وعمليات هدم الأنفاق التى يقوم بها الجيش على الحدود فى سيناء، بما يعنى أن حماس ضالعة فى المشهد، فهى أكثر المتضررين من هدم الأنفاق التى استخدمت فى عمليات تهريب «مقننة»، ضمنت للسلطة الحمساوية فى غزة إيرادا معتبرا، وحققت ثراء واسعا لأفراد وجماعات ذات صلة بها، فضلا عن عمليات تهريب السلاح القادم من ليبيا والتى اتسعت وتيرتها فى الفترة الأخيرة، فأرادت حماس أن ترد بإثارة الشارع ضد قواته المسلحة، على الرغم من انسحاب الجيش كليا من المشهد السياسى.
لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، خصوصا مع وقوف الجيش ــ والشعب من ورائه ــ فى وجه المخطط الداعى لإنشاء غزة الجديدة فى سيناء، وهى الجائزة التى انتظرتها حماس بعد كل الخدمات التى قدمتها للإخوان أثناء الثورة وبعدها، ودورها الذى تناثر الجدل حوله دون نفى قاطع أو إدانة دامغة، فى عمليات اقتحام السجون وحرق أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة وإطلاق سراح معتقلى الإخوان وعناصر حزب الله.
يثير هذا الاحتمال فى الحقيقة تساؤلا عن حالة الهشاشة التى صار عليها الأمن القومى المصرى، والذى سمح لحماس أن تلعب هذا الدور فى إثارة الشارع وتأليبه ضد قواته المسلحة، كما أنه يستدعى تساؤلا أهم، عما إذا كان ذلك يجرى بمعزل عن الجماعة الأم (الإخوان المسلمين) أم أنه جرى برضاها وبالتنسيق معها، فضلاعن أنه يشير إلى الكيفية التى يتم بها استغلال حالة الغضب لدى جماعات من مشجعى كرة القدم لتحقيق أهداف سياسية.
لا اتهام واضح، لكننا مدعوون للتفكير فى الجوانب المختلفة للصورة وإعادة تفكيكها وتجميعها،خصوصا إذا وضعت فى القلب منها حادث استشهاد 16 جنديا قتلوا غدرا فى رمضان الماضى، وهى الجريمة التى أقال على أثرها مرسى وزير الدفاع ورئيس الأركان، وحتى الآن لم نعرف شيئا عن الجناة، ولم توجه التحقيقات إدانة إلى أى طرف، مثل كثير من الجرائم التى واكبت ثورة يناير ولم تتكشف ملابساتها حتى اليوم.
المؤكد أن مرسى وجماعته وأخواتها لايحملون أى تقدير لفكرة الدولة ولا يثقون فى مؤسساتها، وهو ما يفسر عملية الأخونة التى يسيرون فيها على قدم وساق، والتى لا يستبعدون منها مؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، والتى مازالت تقاوم رغم شراسة الهجمة.
مرسى وجماعته لا يتركون مناسبة إلا وأكدوا فيها أن الجيش «على الحدود»، وقيادات الجيش لا تتوقف عن تكرار مقولتها الأثيرة نحن على مسافة واحدة من كل أطراف الصراع السياسى».
فكّر فى المقولتين بإمعان، هل تشعر بأنهما يعبران عن انسجام وتآلف ورضا بالقسمة، أم يشيران إلى حالة من التوجس والتحفّز وغياب الثقة؟
إنها النار الى تحت الرماد