مطلوب ساحات ديمقراطية لحلِّ الصراعات - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مطلوب ساحات ديمقراطية لحلِّ الصراعات

نشر فى : الخميس 18 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 18 أبريل 2013 - 8:00 ص

السَّاحة التى تجرى فيها النِّزاعات المجتمعية، سواء أكانت سياسية أم غير ذلك، لا تقلُّ أهمية عن أسس ووسائل حلّ تلك النّزاعات، خصوصا إذا أصبح العنف جزءا من مشهد ساحة النّزاع.

 

فى المجتمعات التى تتمتع بوجود نظام ديمقراطى معقول، ليس فيه الكثير من الهنات والزّيف، ارتضت جميع مكوناتها أن تكون قاعات البرلمانات، المنتخبة انتخابا ديمقراطيا نزيها ليكون أعضاؤها معبِّرين عن مختلف القوى والمصالح المجتمعية، أن تكون هى السّاحة الأساسيّة التى تجرى فيها النّزاعات، ذلك أنه ومن خلال وظائفها التشريعية والرّقابية وقدرتها على المحاسبة تساعد تلك البرلمانات على حلّ النزاعات بصور متوازنة عادلة وعقلانية تراعى مصالح مختلف مكونات المجتمع.

 

أما المجتمعات التى تفتقر لوجود ساحات ديمقراطية، يثق الناس فيها ويلجأون إليها عند الحاجة، فإن المواطنين مضطرون لاستعمال ساحات أخرى لحلّ النزاعات، سواء أكانت فيما بين قوى المجتمع أو بين المجتمع وسلطة حكم الدولة. ولعلُ أبرز ساحة يلجأ إليها المواطنون فى هذه الحالة تتمثّل فى الشوارع والأزقة والسَّاحات العامة، وشتّان ما بين منابر البرلمانات أو قاعات اجتماعات القوى المتنازعة الهادئة المحكومة بالأخذ والعطاء والوصول إلى حلول وسط وبين منابر الشوارع الصّاخبة القابلة لانتظامها فى دوَّامة العنف، بل وما أكثر وأبعد من العنف.

 

هل أن ذلك يعنى أن وجود منابر البرلمانات هو ضمان لعدم لجوء المواطنين لمنابر وساحات أخرى؟ الجواب هو بالطبع كلا، ففى كل المجتمعات الديمقراطية يلجأ الناس بين الحين والآخر للشوارع ليتظاهروا وليحتُّجوا، وذلك عندما تفشل البرلمانات فى حل النزاعات، خصوصا ما بين سلطة الدولة ومواطنيها. ولعل أفضل مثال على ذلك احتجاجات الشوارع المستمرُّة التى قام بها المواطنون السود الأمريكيون وأنصارهم عبر سنوات لإنهاء الظلم التاريخى الذى لحق بهم، وذلك عندما فشلت وجبنت مجالس البرلمانات ومجالس الشيوخ الأمريكية المتعاقبة عن إنهاء ذلك الظلم، حتى اضطر أحد قادة حراكات الاحتجاجات، هـ. راب براون لأن يعلن: إنى أقول بأن العنف ضرورى، أنه صفة أمريكية. إن العنف فى الشوارع وغيرها هـو فى الواقع صفة كل المجتمعات التى تفتقر إلى وجود الساحة البرلمانية الديمقراطية الحقّة، غير المتواطئة مع أصحاب المصالح وسلطات القمع، والمدافعة عن مصالح عموم المواطنين. ومن هنا فأنه كلما اقترب النظام السياسى من الديمقراطية الشاملة العادلة كلّما تقلُصت فى أرجائه ساحات النزاعات غير المنضبطة وغير الملتزمة بالسلمية.

 

●●●

 

مناسبة هذا الحديث هو الاستمرار فى الحاضر، وحتى بعد تفجرُّ ثورات وحراكات الربيع العربى، لتاريخ طويل من استهانة كل أنظمة الحكم العربية بمبدأ إيجاد ساحات مستقلّة موثوق بها من المواطن، وذلك من أجل حلٍ النزاعات والصراعات فى المجتمعات التى تحكمها.

 

على مستوى الأفراد ومؤسسة العائلة أوجدت أنظمة الحكم على الأقل ساحة القضاء لحل النزاعات، لكنّها كعادتها سعت إلى الهيمنة على هذه الساحة بشتى الطرق وأضعفت استقلاليتها ونزاهتها، وبالتالى ثقة المواطنين فيها.

 

لكن على مستوى نزاعات الجماعات، سواء لأسباب اقتصادية أو عرقية أو مذهبية أو قبلية أو غيرها، فإن نظام الحكم حاول دوما ممارسة إدارة النزاعات والصراعات بدلا من حلّها حلا عادلا وجذريا من خلال إزالة أسباب وجودها. وكانت إدارة أزمات الصراعات تتمُ بأساليب أمنيّة باطشة أو بأساليب انتهازية تستغلُ وتستعمل الصراعات من أجل تثبيت وزيادة مصالح القائمين على أنظمة الحكم. كان مبدأ فرق تسد هو الأشهر من بين تلك الأساليب.

 

ولأنُ إدارة النزاعات والصُّراعات هو الأفضل لصالح أنظمة الحكم فكان يهمها ألا توجد ساحة البرلمانات الديمقراطية النّزيهة للمساهمة فى حلٍّ، وليس إدارة، الصّراعات. ولذا سعت عبر تاريخ طويل لأن تبقى المؤسسة البرلمانية ناقصة الديمقراطية، ضعيفة الاستقلالية، مليئة بالفساد والانتهازية. وفى نفس المستوى سعت أنظمة الحكم إلى منع تواجد النقابات، وإذا وجدت على مضض كانت ضعيفة وفاسدة ومسروقة من قبل قيادات نفعية متواطئة مخادعة.

 

كان الهدف واضحا: ألا يجد المتنازعون والمتصارعون ملجأ غير ساحة الحكم وقوى الحكم، فيظلُ المجتمع بكامله مبتلعا فى جوف سلطة الدولة، يتغذّى بفتات ما تجود به سلطة الدولة.

 

●●●

 

إذا كانت أنظمة الحكم فى كل بلاد العرب تريد ألا تواجه يوميا ما تفرزه شوارع المدن وأزقّة القرى العربية فعليها أن تتوقّف نهائيا عن تعطيل وجود ساحات مجتمعية ديمقراطية عادلة موثوق بها من مثل البرلمانات والنقابات واشكال كثيرة من مؤسسات المجتمع المدنى.

 

 أما شباب ثورات وحراكات الربيع العربى فلا يحقُّ لأحد أن يلومهم إن ظلّوا يجوبون الشوارع طالما أن السَّاحات الديمقراطية السلميّة الهادئة الموثوق بها، المطلوبة من أجل حل النزاعات والصّراعات، طالما أنها لم توجد بعد. نكرّر، نحن نتكلم عن حلّ الصراعات وليس ادارتها.

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات