لا شك أن القمة العربية الأخيرة فى المملكة العربية السعودية قد نجحت فى أمرين: الأول هو وضع قائمة طويلة بأغلب المشاكل والصراعات التى تعيش جحيمها مجموعة كبيرة من أقطار الوطن العربى، والثانى تقديم وصف، ولو كان محدودا، لتلك المشاكل والصراعات.
القائمة والأوصاف كانت كافية لإظهار الأهوال والمصائب التى تواجهها أمة العرب المنكوبة بأمراضها الذاتية من جهة، وبتكالب الأعداء على نهش وتقطيع أوصالها من جهة أخرى.
لكن الطبيب الذى يسمى المرض ويصف أعراضه، دون أن يشخص أسبابه ويضع علاجه، هو طبيب مقصر فى حمل مسئولية مهنته. وهذا ما حدث، مع الأسف، بالنسبة للقمة العربية التى لم تمارس عملية التشخيص ولا وضع العلاج.
وحتى عندما حاولت على استحياء وضع علاج للمرض الفلسطينى المزمن اكتفت بالمسكنات والمضمدات دون مواجهة حقيقية للمرض الصهيونى الذى ينهش الجسد الفلسطينى بصورة خاصة والجسد العربى بصورة عامة.
***
وقف المواطن العربى مشدوها أمام مشهد بائس: بضع ساعات من الاجتماعات للتعامل مع خمس وعشرين من المواضيع العربية المتفجرة، للتداول حول أسوأ وضع عرفه العرب طيلة تاريخهم الحديث، لمواجهة أقبح التدخلات الخارجية وعودة الاستعمار السياسى والعسكرى، للمصارحة حول إيقاف انغماس بعض الدول المجتمعة وغير المجتمعة فى وحل الجهاد الإسلامى الإرهابى المجنون، لإخراج الجامعة العربية من نومها وإيقافها عن الاستمرار فى ارتكاب الأخطاء تلو الأخطاء عند تعاملها مع الجحيم العربى الحالى، لتفعيل القرارات العربية المشتركة السابقة فى الاقتصاد والأمن والثقافة من جديد، لاستعادة المصير العربى بكليته من أيادى الأغراب ولإيقاف الابتزاز المالى الأمريكى، ولمنع هذا المسئول العربى أو ذاك عن الخروج على الثوابت القومية العروبية المشتركة فى سبيل مصالحه الذاتية الأنانية المؤقتة أو من أجل إنجاح حملات إعلامية فى هذا المحفل الإعلامى أو ذاك.
التشخيص والعلاج يكمنان فى التعامل الجاد مع هذه القائمة التى ذكرنا، وليس فى القائمة الوصفية التى خرج بها البيان الختامى المسطح للمشهد العربى. والوقت اللازم للقيام بذلك كان بحاجة أن يكون أطول من بضع ساعات، والمناقشات المطلوبة للدخول فى أعماق تلك المسائل كانت يجب أن تكون أكثر من خطب المجاملات والبكائيات التى ألقيت.
والنتيجة؟ النتيجة أنه من الأفضل ألا تنعقد قمة عربية إذا كانت ستقتصر على وصف لمشاكل يعرفها الجميع. فالشعب العربى ينتظر أكثر، ومن حقه أن يحصل على أكثر. وإذا كانت غالبية أنظمة الحكم العربية لا تملك الإرادة للانتقال إلى ذلك الأكثر المطلوب فعليها أن تراجع أفكارها السياسية واستراتيجياتها القومية، ونوع وزراء خارجياتها الذين يضعون جداول أعمالها، ومقدار الوقت الذى تستحقه منهم قضايا الأمة الكبرى، ونوع المستشارين الذين يطلب منهم تقديم المشورة الموضوعية الصادقة.
وإذا كنا سنتعلم من تاريخ العمل العربى المشترك فإننا سنعرف أن ذلك الأكثر المطلوب لن يتحقق بعد أن ينفض السامرون وتدخل، حتى تلك القرارات المتواضعة، فى أدراج النسيان، ويحج الحجيج إلى واشنطن ولندن وموسكو وباريس وأنقرة وطهران وغيرهم، يطلبون التوجيه والمباركة والرضى، ويدفعون الثمن المطلوب من ثروات العرب ودمار مدنهم ومنجزات تاريخهم، ودموع الملايين من معذبيهم من كل شرائح مجتمعاتهم.
هذا ما يتعلق بالمجتمعين، فماذا عن المتفرجين؟
إذا كان الشعب العربى يريد أن يستمر فى ممارسة «اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون»، فإن المشهد لن يتغير، والأكثر المطلوب لن يتحقق. وإذا كان سيكتفى بهبَّات ساحات المدن العربية المتباعدة الملتهبة، التى لا يعاضدها فكر سياسى ناضج، واستراتيجيات عمل يومى، وتنظيم لقوى المجتمعات المدنية، والانتقال إلى تكوين الكتلة التاريخية المناضلة المتناغمة التى تعتمد على طاقات الأمة كلها، فإننا سننتقل من حالة الأوجاع والمضاعفات إلى حالة الاحتضار السريرى المتنامى. تاريخ العالم كله يقول ذلك، وملحمة الصراع الأبدى بين الخير والشر قد سطرها التاريخ لتقرأها أجيال المستقبل ولتبصر الطريق الذى لا مهرب منه.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، ستعزف اجتماعات القمم نفس سمفونية الإرادة والمواجهة التى تعزفها قوى النضال السياسى والحقوقى والحضارى لشعوب الأمة العربية.
عند ذاك لن يكتفى أحد بسرد قائمة ووصف مشهد بل سينتقل الجميع إلى التشخيص الموضوعى والعلاج الشافى.
ليس الهدف تجريح أحد أو الاستهزاء بجهة، وإنما الهدف أن نكون صادقين مع النفس ومواجهة الحقيقة، مهما كانت مرة وصعبة.
ما نقوله ليس بجديد. ثم من قال إن الأمة تحتاج إلى حلول جديدة؟ إنها فى الواقع تحتاج إلى الاستفادة من حلول كثيرة قديمة لم تنفذ، حلول طال عليها الأمد، ويتقلب من اقترحوها فى قبورهم من شدة الخجل والامتعاض ولسعات بروق السحب العربية التى لا تمطر.
اجتماعات ومداولات وقرارات القمة العربية هى فى محنة، خصوصا بالنسبة لتفعيلها فى الواقع ولمواجهتها المشاكل بصورة مباشرة، لا الدوران من حولها.
القمم العربية تحتاج إلى مراجعة منطلقاتها وأساليب عملها وجعل توجهها الأساسى إلى الداخل العربى، وليس إلى الخارج المتآمر الانتهازى الناهب للثروات، ذى الألف قناع.
مفكر عربى من البحرين
dramfakhro@gmail.com