لماذا لا يريد أن يفهم المصريون أمريكا؟ - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:04 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لا يريد أن يفهم المصريون أمريكا؟

نشر فى : الجمعة 19 يوليه 2013 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 يوليه 2013 - 9:19 ص

قوى الصراع السياسى فى مصر تتنافس على من يكون أشد عداء لأمريكا من ناحية، ومن ناحية أخرى تتنافس للحصول على بركاتها واعترافها بهم.

وجاءت ردود الأفعال الأمريكية على تطورات الأحداث فى مصر وتردد إدارة أوباما فى وصف ما حدث كانقلاب عسكرى لتزيد من التساؤلات بين النخبة السياسية وبين جموع الشعب المصرى عن الفريق الذى تدعمه وترجحه الإدارة الأمريكية.

اتخذ الرئيس أوباما موقفا يتفق مع البراجماتية الأمريكية بامتناعه المبدئى عن وصف ما جرى فى مصر بأنه انقلاب عسكرى خشية توقف المساعدات لمصر البالغة 1.55 مليار دولار سنويا منها 1.3 مساعدات عسكرية لما يسببه ذلك من أضرار كبيرة لمصالح واشنطن فى الشرق الأوسط وداخل مصر.

إلا أن الادارة الأمريكية أوصلت فى الوقت نفسه رسائل مختلفة للجيش المصرى بخصوص خريطة طريق المرحلة الانتقالية، ومصير كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى.

وتمثل الحالة المصرية هنا نموذجا واضحا لعرض التناقض والازدواجية الأمريكية فيما يتعلق بصراع المبادئ والمصالح. موقف إدارة أوباما ليس جديدا، فلأكثر من ثلاثة عقود ادعت واشنطن دعمها لتطلعات الشعب المصرى فى الحرية والديمقراطية، وفى الوقت نفسه دعمت نظام استبدادى ديكتاتورى.

ورغم أن تجارب التاريخ تثبت أن الوقوف مع المبادئ الإنسانية النبيلة الثابتة على المدى الطويل يفوق عائد الوقوف مع المصالح الاستراتيجية قصيرة المدى، إلا أن واشنطن دوما سعت لخدمة مصالحها قصيرة الأجل.

المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط هى كلمة السر فى فهم إدارة واشنطن لعلاقاتها بالقاهرة، ولفهم ما قامت به واشنطن، وما تقوم به وما ستقوم به.

ويمكن تلخيص هذه المصالح تاريخيا فى كلمتين اثنتين فقط: النفط وإسرائيل. تأمين إسرائيل، وما يعنيه ذلك من ترتيبات أمنية إقليمية، وتجارة سلاح دولية، ومعادلات سياسية داخلية أمريكية مهمة، ومكافحة إرهاب، وعملية لا تنتهى لسلام الشرق الأوسط. أما تأمين النفط فيترتب عليه أيضا منافسات وتحالفات وعداوات استراتيجية عالمية.

وحماية ممرات ملاحية من أجل إخراج بترول الشرق الأوسط ليستهلكه بقية العالم، وحماية أنظمة تشرف على تسهيل المهام الأمريكية حتى وإن كانت مستبدة. ولمصر دور كبير وعلاقات مباشرة بالملفين المهمين لواشنطن. من هنا جمع القاهرة بواشنطن علاقات خاصة أساسها معادلة «مساعدات مقابل تعاون»، وهذا بصرف النظر عن هوية وخلفية من يحكم فى مصر.

●●●

خلال أيام ثورة 25 يناير الثمانية عشرة الأولى، تطور الموقف الرسمى لإدارة أوباما طبقا لما أسفرت عنه تطورات الأحداث المتلاحقة داخل مصر. ولم يصدر أى بيان يعبر عن تأييد واشنطن لمطالب الشعب المصرى بإنهاء حكم نظام الرئيس حسنى مبارك، وضرورة تنحيته وإيجاد قيادة بديلة. طالبت واشنطن فقط النظام المصرى بكل شىء إلا ما طالب به جموع المصريين، وهو «إسقاط النظام».

وعندما اختار الرئيس مبارك اللواء عمر سليمان نائبا له، رحبت واشنطن وبدأت اتصالات مكثفة بين نائب الرئيس الأمريكى جو بيدن ونظيره المصرى للبحث فى «الانتقال المنضبط للسلطة». وسعدت واشنطن لهذا المخرج الذى لم يكن ليغير فى علاقاتها بالحليف الاستراتيجى المصرى شيئا.

ومع بدء أحداث 30 يونيو تبنت إدارة أوباما نفس الموقف الذى تبنته فى ثورة 25 يناير من خلال الانتظار لما ستسفر عن تطورات الأحداث داخل مصر.

وتبنت إدارة أوباما موقفا متحفظا وتتجنب إطلاق توصيف محدد على ما حدث فى مصر يوم 3 يوليو، وذلك على الرغم من مضى ما يزيد على أسبوعين على عزل الرئيس محمد مرسى من منصبه. ولا تريد إدارة أوباما إصدار توصيف متسرعا لما تشهده مصر حتى لا تضر أو تخاطر بمصالحها ونفوذها بغض النظر عن سيناريو تطور الأحداث.

●●●

ويرتبط بما سبق قضية لا تزال تسبب جدلا كبيرا وتتعلق بحجم النفوذ الأمريكى والتأثير فيما يحدث فى مصر. الجميع يلوم ويلعن أمريكا وأوباما. فمن ناحية يلعنها مؤيدو ما جرى بدعوى ترددها فى توصيفه بثورة شعبية، وأن مرسى لم يترك للجيش بديلا إلا الوقوف بجانب الملايين ممن خرجوا لشوارع ولميادين مصر.

ما ذكره البنتاجون من أن واشنطن ستتخذ قرارها النهائى فى الوقت المناسب، وما ذكره البيت الأبيض من أن وضع مصر معقد وصعب للغاية على الرغم من اعترافه أن ملايين المصريين لهم شكاوى مشروعة ضد مرسى، لم يرض أنصار هذا الفريق.

من ناحية أخرى يلوم الإسلاميون إدارة أوباما على ما يرونه دعما أمريكيا للانقلاب على الرئيس محمد مرسى عن طريق الامتناع عن تسمية الأشياء بأسمائها «انقلاب عسكرى». ويؤمن الاسلاميون أن لواشنطن دورا داعما فيما آلت إليه الأوضاع فى مصر بدليل زيارة نائب وزير الخارجية وليام بيرنز ومقابلته للرئيس الجديد ورئيس وزرائه.

إلا أن حجم «نفوذ واشنطن» فيما يجرى بمصر يعود بالدرجة الأولى ليس لما لواشنطن من نفوذ فى الداخل المصرى، بل ينبع من إيمان النخبة السياسية المصرية على اختلاف مأربها من إخوان مسلمين وأحزاب سلفية والقوى اليسارية والعلمانية بوجود دور لواشنطن فيما يحدث.

من هنا أصبحت واشنطن لاعبا فى السياسة المصرية ليس بسبب نفوذها الحقيقى، بل بسبب الايمان الحتمى من النخبة والشعب المصرى بوجود هذا الدور الذى أوجده بالأساس قراءة خاطئة للواقع ورؤية ذهنية مشوهة.

●●●

تعكس تصورات القوى السياسية المصرية توجهين صادمين، أولهما التقليل من دور وقوة ورغبة الشعب المصرى فيما جرى ويجرى منذ بدء ثورة 25 يناير وحتى الآن، وثانيهما عدم فهم أهداف واشنطن، ولا ديناميكيات صنع القرار الأمريكى.

واقعية واشنطن وسعيها لتحقيق مصالحها يجعلها تحتفظ بعلاقات قوية مع من يحكم مصر، فهى تعاملت مع مبارك الديكتاتور ومع المجلس العسكرى ثم مع الرئيس مرسى الإسلامى بطرق لم تتغير فى جوهرها.

واليوم ستتعامل واشنطن مع من يؤول إليه حكم مصر سواء كان عسكريا أو يساريا أو شبه ليبرالى أو إخوانيا أو حتى سلفيا مادامت تتم خدمة مصالحها الاستراتيجية

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات