عدة عوامل وراء طرح ترامب فكرة التهجير - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 21 فبراير 2025 8:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عدة عوامل وراء طرح ترامب فكرة التهجير

نشر فى : الخميس 20 فبراير 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الخميس 20 فبراير 2025 - 8:05 م

عقب دخول الرئيس دونالد ترامب التاريخ من أوسع أبوابه بانتخابه لفترة حكم ثانية منفصلة غير متتالية لفترة حكمه الأولى، لم يعد يهدف ترامب إلا لتحقيق إرث ونجاح شخصى يخلده فى التاريخ الأمريكى، وربما العالمى، كرئيس حقق ما لم يحققه قبله رؤساء أميركيون جمهوريون وديمقراطيون فى مختلف القضايا والأزمات التى يعانى منها عالم اليوم وأمريكا اليوم.
يهدف ترامب إلى تحقيق السلام فى أوكرانيا، ولا يكترث بأن يكون هذا السلام عادلا أو متوافقا مع أبسط قواعد القانون الدولى أو الأعراف الدولية السياسى والدبلوماسى والقانونى منها. يهدف ترامب لتحقيق وقف إطلاق النار بما يمهد لسلام أراه «سلاما غير عادل».
لا يختلف الأمر كثيرا فيما يتعلق بأزمة صراع الشرق الأوسط بشقيها، العربى الإسرائيلى، والفلسطينى الإسرائيلى. إذ يهدف ترامب إلى تحقيق ما فشل فيه 13 رئيسا أمريكيا، منهم 7 ديمقراطيين و6 جمهوريين، دخلوا البيت الأبيض منذ تأسيس دولة إسرائيل بدءا من هارى ترومان وانتهاء بجو بايدن.
حاول ترامب خلال فترة حكمه الأولى طرح صفقة كبرى للشرق الأوسط تشمل تطبيعا عربيا إسرائيليا واسعا، وتضمنت الصفقة طرح دولة فلسطينية محدود السيادة، ويقتطع منها أراض واسعة مقارنة بحدود 4 يونيو 1967. نجح ترامب فى دفع أربع دول عربية للتطبيع مع إسرائيل، وفشلت بقية الخطة، وغنمت تل أبيب اعترافا أمريكيا بسيادتها على الجولان وبأن القدس عاصمتها الموحدة مع نقل سفارتها من تل أبيب إلى المدينة المقدسة.
بعد هجمات طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر، وما أعقبها من عدوان إسرائيلى غير مسبوق وصل لحد الإبادة الجماعية مع ارتكاب جرائم حرب يندى لها الجبين بسلاح ودعم أمريكيين، قدم ترامب ما يراه طرحا حاسما لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط بتصفية القضية الفلسطينية بداية بفكرة ترحيل أهل غزة لخارج القطاع، وربما الاعتراف بسيادة إسرائيلية على الضفة الغربية فى فترة لاحقة.
يكترث ترامب بتحقيق سلام غير عادل فى الشرق الأوسط لا يكترث فيه بحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة والمتعارف عليها دوليا وحتى أمريكيا. منذ قبل وصوله للحكم لفترة الحكم الثانية، لم يذكر ترامب فى أى من أحاديثه الكثيرة والمتكررة بصورة شبه يومية أى أسى أو حزن على ضحايا غزة الأبرياء، ولم يعد يتحدث عن مستقبل للشعب الفلسطينى إلا عندما ألقى بفكرة التهجير كوسيلة وشرط لإعادة إعمار وبناء قطاع غزة لسكان جدد مستقبليين غير فلسطينيين.
• • •
يمكن تفهم جنوح ترامب لهذا الطرح المتطرف الخاص بالتهجير استنادا إلى عدة عوامل منها أنه لا ينظر إلى أمن ورفاهية إسرائيل كقضية سياسة خارجية يجب أن تكترث بها واشنطن وتسعى لتحقيق مصالحها، بل يراها قضية أمريكية داخلية مع إحاطة نفسه بعدد كبير من أصدقائه من اليهود الأمريكيين ممن منحهم مناصب قيادية هامة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط وغيرها، على الرغم من غياب الخبرات المهنية اللازمة لهذه المناصب. وساهم فى كون إسرائيل لم تعد بالضرورة قضية سياسة خارجية وصول عدد الأشخاص الإسرائيليين من مزدوجى الجنسية الأمريكية الذين يعيشون فى إسرائيل إلى ما لا يقل عن 800 ألف شخص أغلبيتهم العظمى من اليهود الأرثوذكس المتشددين.
شجاعة ترامب فى طرحه مدفوعة بغرور نجاحه المبكر فى الدفع نحو تسوية لوقف إطلاق النار وبدء الإفراج عن الأسرى والمحتجزين لدى حركة حماس، وهو ما منحه ثقة إضافية لما يمكن تحقيقه. وكرجل أعمال لا يفهم تعقيدات سياسة بلاده الخارجية، اعتبر ترامب أن تلقى مصر والأردن مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية على مدار العقود الماضية كفيل لهما بقبول تهجير أهل غزة إليهما انصياعا للطلب الأمريكى.
كما يشجع ترامب فى طرحه المتطرف الصمت العربى والإسلامى الرسمى الصادم على اقتراف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة على مدار أكثر من 15 شهرا دون أن تكون هناك تكلفة فعلية على تل أبيب من جانب الدول المطبعة معها، حتى الشكلى منها مثل سحب سفرائها من تل أبيب، أو طرد سفراء إسرائيل من عواصمهم.
من المؤكد أيضا أن ترامب يستدعى تجربة تحذير كبار مستشاريه من مغبة اتخاذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. اتخذ قراره بخصوص القدس خلال فترة حكمه الأولى، لم يكن هناك إلا تنديد عربى عديم القيمة لم يصاحبه أى تكلفة فعلية أو رد فعل غاضب على القرار الترامبى الذى رفض أن يتخذه الرؤساء الأمريكيون، الجمهورى منهم والديمقراطى. قال ترامب حينها إنه تم تحذيره من خطورة الإقدام على هذه الخطوة، التى سبق أن رفض القيام بها 5 رؤساء أمريكيين، هم رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، تحسبا لردود فعل الدول العربية والإسلامية.
• • •
ما ننتظره وينتظره ترامب من رؤية عربية بديلة لفكرة التهجير لمستقبل قطاع غزة بما يتضمنه من إعادة الإعمار، والإدارة المدنية والسياسية، وربما الأمنية للقطاع، يعد نجاحا ترامبيا فرض فيه اضطرار الدول العربية للبحث عن حل عملى ولعب دور نأت بنفسها عنه لعقود.
شكّل قطاع غزة لعقود مصدر إزعاج لإسرائيل، ومعضلة عصية على الحل، وسبق وعرضت إسرائيل على مصر تحمل مسئولية السيطرة على وإدارة القطاع. وسبق وتمنى رئيس الوزراء السابق، إسحاق رابين، أن يستيقظ من نومه ذات صباح ليجد قطاع غزة وقد غرق فى البحر!
اليوم، وأكثر من أى وقت مضى، يقترب العرب من الغرق فى بحر غزة، فهل يتمكنون من لجم ترامب فعلا وليس قولا، وهم بالفعل يمتلكون، إن أرادوا، من الأدوات ما يُمكنهم من ذلك؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات