نشرت مبادرة الإصلاح العربى مقالا للباحث «جورج فهمى» حول الفاعلين الدينيين وأسباب دعمهم لعملية التحول الديمقراطى وذلك من خلال دراسة موقفى كل من الأزهر الشريف فى مصر وحركة فتح الله كولن التركية من التحول الديمقراطى. فيقول «فهمى» إنه على الرغم من اختلاف المناخ المؤسسى فى كل من البلدين، لعب كل منهما دورا إيجابيا فى الدفع بعملية التحول الديمقراطى قدما.
ويحاول الكاتب فهم موقف كل من الفاعلين الدينيين (كولن والأزهر الشريف) على تحليل مصالحهما الفكرية والمادية، وكيف أثرت رؤيتهم لمصالحهم على قرار كل منهما بدعم التحول الديمقراطى.
الأزهر الشريف وحركة فتح الله كولن:
بدأ «فهمى» بالحديث عن الأزهر الشريف وقيام جمال عبدالناصر مع ثورة يوليو بإحكام قبضته عليه من أجل استخدامه لتحقيق مشروعه السياسى.
أما خلال عهدى السادات ومبارك، فقد استعاد الأزهر حضوره فى المجال العام، وخاصة فى ظل تنامى خطر الجماعات الجهادية، مما دعا النظام السياسى إلى الاستعانة به بهدف تدعيم شرعيته الدينية. وبعد اغتيال السادات سعى نظام مبارك إلى استخدام الأزهر فى مواجهة الجماعات الإسلامية، وذلك بعد أن قرر أن يُعطى للأزهر مساحات أكبر للتأثير على مؤسسات الدولة وما تتخذه من قرارات.
أما بالنسبة لحركة فتح الله كولن فيشير «فهمى» إلى بروز شهرة كولن خلال السبعينيات، فصار يُدعى إلى الوعظ فى جميع أنحاء تركيا، وقد دارت دروس كولن حول ثلاثة تحديات تواجه تركيا تمثلت فى الجهل والفقر والانشقاقات داخل المجتمع.
ولهذا وجه كولن أتباعه إلى العمل فى المجتمع المدنى على مواجهة تلك التحديات، من خلال الاستثمار فى التعليم والإعلام والعمل الإغاثى والخيرى. وشهدت الحركة عصرها الذهبى خلال الثمانينيات وذلك فى عهد رئيس الوزراء التركى «تورجوت أوزال»؛ الذى سعى إلى تحرير المجتمع المدنى من سلطة الدولة، وشجع الحركات الدينية على العمل من أجل ترسيخ الهوية الإسلامية للمجتمع التركى لمواجهة الانشقاقات على أساس سياسى ما بين اليمين واليسار، أو قومى ما بين الأتراك والأكراد.
إلا أن وفاة «أوزال» فى بداية التسعينيات، والصعود السياسى لحزب الرفاه الإسلامى وزعيمه «نجم الدين أربكان» أعادا التوتر بين مؤسسات الدولة والتيارات الاسلامية.
المصالح المادية والفكرية وإستراتيجيات تحقيقها:
أشار «فهمى» إلى أن كلا من الأزهر الشريف وحركة فتح كولن يتشاركان فى المصالح نفسها؛ كبناء المجتمع الإسلامى (مصالح فكرية) وزيادة حصتهما بالمجال الدينى (مصالح مادية)، وإن اختلفت استراتيجيتهما طبقا للمناخ المؤسسى لكل من مصر وتركيا.
وقد قامت مصالح الأزهر على زيادة نصيبه داخل المجال الدينى من خلال زيادة موازنته، والتوسع فى أنشطته وزيادة عدد طلابه والعاملين فيه. أما حركة كولن فقد سعت إلى زيادة تواجدها داخل المجال الدينى من خلال ولوج المجتمع المدنى؛ فشرعت فى بناء مئات المدارس داخل تركيا وخارجها، فضلا عن دخولها مجال الإعلام والاقتصاد والاستثمار.
ورغم ذلك التوسع للأزهر الشريف وكولن فإنهما كان ينظران بقلق إلى صعود حركات الإسلام السياسى التى تعد منافسة لهما داخل المجال الدينى؛ ففى مصر شهدت الثمانينيات صعودا واضحا فى شعبية وموارد جماعة الإخوان المسلمين، وصارت منافسا ليس فقط لنظام مبارك فى المجال السياسى، بل أيضا للأزهر داخل المجال الدينى. كذلك الأمر بالنسبة إلى حركة كولن والذى أدى الصعود السياسى لنجم الدين أربكان ــ أول رئيس وزراء ذو خلفية سياسية إسلامية بتاريخ تركيا الحديث ــ خلال التسعينيات إلى منافسته على زعامة المجال الدينى، وعرفت العلاقة بينهما توترا لايزال مستمرا إلى الآن.
أما بالنسبة لاستراتيجيات كل منهما لتحقيق مصالحهما ببناء المجتمع الإسلامى، فيشير الكاتب إلى أن الأزهر قرر اتباع استراتيجية التغيير من أعلى، من خلال الضغط على النظام السياسى بهدف أسلمة القوانين التى تنظم شئون المجتمع. أما حركة كولن فقد قررت اتباع استراتيجية التغيير من أسفل من خلال الدعوة لأفكارها بين افراد المجتمع.
دعم الأزهر الشريف وكولن للتحول الديمقراطى:
رغم التزام كل من الأزهر الشريف وحركة كولن الصمت إزاء التجاوزات السلطوية للأنظمة السياسية فى مصر وتركيا، فقد اختارت كل منهما فى لحظة معينة التخلى عن موقفهما السلبى، للدفع باتجاه التحول الديمقراطى فى كلا البلدين. فقررت حركة كولن أن تتبنى خطابا داعما للتحول الديمقراطى فى تركيا، فى أعقاب الانقلاب الناعم الذى قام به الجيش ضد حكومة أربكان عام 1997، وكذلك فعل الأزهر خلال المرحلة الانتقالية التى أعقبت الإطاحة بحسنى مبارك عام 2011.
هذا إضافة إلى توتر العلاقة ما بين حكومة العدالة والتنمية وحركة كولن عام 2013 وأنه فى ظل سعى الحكومة إلى التضييق على نشاط الحركة، فقد استعادت الأخيرة خطابها الداعى إلى إصلاحات ديمقراطية من أجل استعادة دورها ومن ثم مصالحها.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الأزهر الذى رأى فى تنحى مبارك فرصة وتهديدا فى آنٍ واحد؛ فهو يمثل فرصة تُمكن الأزهر من إعادة التفاوض حول استقلاليته عن الدولة، إلا أنه يشكل خطرا فى ظل الصعود السياسى للحركات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية ــ منافسى الأزهر داخل المجال الدينى.
ويؤكد «فهمى» على وصول كل من الأزهر وكولن إلى القناعة نفسها فيما يتعلق بالتحول الديمقراطى؛ فرأى الأزهر أنه «فقط فى ظل دولة القانون ونظام سياسى ديمقراطى تعددى، يستطيع الحصول على استقلاله من الدولة». أما حركة كولن فرأت أن «الديمقراطية القائمة على الحرية وإزالة العقبات التى تواجه المنظمات غير الحكومية هى التى ستمكن تركيا من مواجهة ما يعترضها من صعوبات».
ويختتم الكاتب بأن موقف الفاعلين من الديمقراطية تحكمه الموازنة ما بين المصالح والمفاسد، ولذلك، فإن قرار كل من الأزهر وحركة كولن بالتحول عن صمتهما تجاه قضايا التحول الديمقراطى إلى دعمها جاء كنتيجة لحساب عقلانى رشيد للمكاسب والخسائر، فحينما ارتأتا أن النظام الديمقراطى سيمكنهما من تحقيق مصالحهما، قررا دعمه.