يترقب الجميع انتخابات الكونجرس المقرر لها السادس من نوفمبر القادم، وهى ليست انتخابات تشريعية تقليدية تشهدها الولايات المتحدة كل عامين، بل هى انتخابات سيتوقف على نتائجها تغيرات دراماتيكية لا يعرف أحد مداها، سواء تعلق الأمر بمستقبل الرئيس دونالد ترامب، أو بمصير الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى كذلك.
يسيطر حاليا حزب الرئيس الجمهورى ترامب على مجلس النواب بـ236 مقعدا مقابل 193 مقعدا للديمقراطيين، مع خلو ستة مقاعد لأسباب تتعلق باستقالات أو وفاة أصحابها. وستجرى الانتخابات القادمة على كل مقاعد مجلس النواب البالغة 435 مقعدا، وعلى 35 مقعدا من مقاعد مجلس الشيوخ المائة. وتبدو حظوظ الديمقراطيين مرتفعة فيما يتعلق بمجلس النواب، إذ يتوقع أن يحصدوا مكاسب تتخطى 25 مقعدا، وهو ما سيمنحهم الأغلبية البسيطة التى تتطلب حصول الحزب على 218 مقعدا. ولا تبدو الصورة كذلك فى مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه الجمهوريون حاليا بأغلبية 51 مقعدا مقابل 49 للديمقراطيين. وعلى الرغم من ضيق الفارق هنا، فإن المقاعد التى سيتم الاقتراع عليها تتضمن حاليا 26 مقعدا يشغلها ديمقراطيون، مقابل 9 مقاعد فقط يشغلها جمهوريون، ويحتاج الديمقراطيون من أجل السيطرة على مجلس الشيوخ إلى الفوز بكل مقاعدهم الـ26 الحالية، إضافة لاغتنام مقعدين آخرين يسيطر عليهم الجمهوريون حاليا، وهو طرح صعب التحقيق خاصة مع وجود 7 مقاعد يراها الخبراء متأرجحة ويسيطر عليهم الديمقراطيون حاليا.
***
وتنبع أهمية انتخابات الكونجرس هذا العام بداية من ارتباطها الأساسى بتداعيات عملية التحقيق المستمرة منذ عامين حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتأثيرها على مستقبل هذه التحقيقات خاصة فيما يتعلق بمستقبل الرئيس دونالد ترامب. ومع تطورات عملية التحقيق المتسارعة والتى كان آخرها توجيه تهم جنائية مالية أدت لإدانة المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية بول مانفورت أمام هيئة محلفين فيدرالية بارتكاب ثمانى جرائم قد تصل عقوبتهم إلى قضاء بقية عمره فى السجن. ثم ما تبع ذلك من اعترافات المحامى الشخصى السابق لترامب مايكل كوهين، والذى رافقه على مدى سنوات، أمام محكمة بمدينة نيويورك، بالذنب فى عدة تهم مالية وضريبية بالأساس، مقرا بأنه، وبالتنسيق مع ترامب، دفع مبالغ مالية إلى امرأتين تدعيان إقامة علاقة جنسية مع ترامب، وذلك من أجل شراء سكوتهما «بهدف عدم التأثير فى الانتخابات»، وهو ما يعد مخالفة واضحة لقوانين تمويل الحملات الانتخابية.
***
يصاحب تزايد الحديث حول إمكانية عزل الرئيس، اشتداد الجدل الدستورى حول إمكانية توجيه اتهامات جنائية للرئيس الأمريكى أثناء فترة حكمه، وأغلب الخبراء يعتقدون بصعوبة ذلك بسبب عدم وجود سوابق تاريخية على الاطلاق لتوجيه اتهامات لرئيس فى فترة حكمه. فقط يستطيع مجلس النواب بالكونجرس (حال ما أطلعه المحقق موللر على اقتراف الرئيس جرائم ومخالفات قانونية) التصويت فى خطوة تمهيدية أولى على عزل الرئيس بالأغلبية البسيطة أى أغلبية النصف + 1، ثم يتم محاكمته أمام مجلس الشيوخ ويقتضى موافقة ثلثى الأعضاء كى يصدر أى حكم، وهو ما يستحيل تخيله فى ظل حالة الاستقطاب الحاد الذى تعانى منه الولايات المتحدة حاليا. وربما تحمل الأسابيع والأشهر القادمة مفاجآت من عيار ثقيل يتغير على أثرها دعم الجمهوريين لترامب، ولا تترك أمامه إلا بديل الاستقالة تجبنا للمحاكمة.
***
وبعيدا عن ترامب، أو ربما بسببه، يدفع السباق نحو انتخابات الكونجرس لتغيرات جذرية داخل تركيبة الحزبين الديمقراطى والجمهورى. فالحزب الديمقراطى يميل ــ ومنذ بروز ظاهرة بيرنى ساندرز ــ إلى اليسار لدرجة لم يتخيلها أكثر اليساريين انتماء بالمعايير الأمريكية. وتشمل قائمة الحزب فى الانتخابات القادمة عدة مرشحين ممن ينتمون لفئة المتحولين جنسيا، والذين تدعمهم شبكات الـLGBT وهى شبكات تزداد قوة وصلابة مع مرور الأيام وسط كتل الحزب الديمقراطى.
كما تتضمن القائمة عدد من المرشحين ممن يصفون أنفسهم بأنهم اشتراكيون يسعون لتحقيق وتطبيق العدالة الاجتماعية، ولم يتخيل أحد لوقت قريب استخدام مصلح «اشتراكى» فى السياسات الداخلية الأميركية، وعلى رأس هؤلاء المرشحين تجىء المرشحة الشابة البالغة 28 عاما ألكسندريا كورتيز، والتى تتنافس على مقعد بشمال مدينة نيويورك. كذلك تتضمن القائمة امرأتين أمريكيتين من أصول عربية مسلمة يمثلان الحزب الديمقراطى فى انتخابات مجلس النواب: السيدة رشيدة طليب، ذات أصول فلسطينية، فى الدائرة الثالثة عشرة بولاية ميشيجان، السيدة إلهان عمر، ذات الأصول الصومالية، على مقعد الدائرة الخامسة فى ولاية مينيسوتا، وتمثل السيدتان تطورا كبيرا فى رؤية الحزب الديمقراطى لنفسه ومرشحيه. أما الحزب الجمهورى على الناحية المقابلة فيتجه بسرعة نحو أقصى اليمين بالمعايير الأمريكية، ويقترب فى ذلك من الكتل العنصرية الكارهة للمهاجرين، والكارهين للإسلام، والكارهين للعولمة، وأنصار الشعبوية البيضاء، والمتشددين المسيحين. تلك الكتلة التى ظهرت بوادرها السياسية مع وصول رئيس أسود، باراك أوباما، للبيت الأبيض عام 2008، وعبرت عن نفسها فى مجموعات «حزب الشاى» والتى تسيطر على أجندة الحزب الجمهورى التقليدية التى لا تتفق معها فى الكثير من المواقف. إلا أن ترامب، وقد نجح فى إبراز نفسه كمدافع عن مصالح وآمال هذه الكتلة التصويتية العريضة أمام المؤسسة الحزبية الجمهورية، سيكون محور التصويت لمرشحى الحزب، إذ ستكون العملية بمثابة استفتاء على طريقة ونهج حكمه غريب الأطوار.
فى النهاية لم يعد فى وسع المؤسسة الحزبية، سواء الجمهورية أم الديمقراطية، التحكم فى هوية مرشحى الحزب المفضلين. وعلى الرغم من ذلك لا يجرؤ أى من الحزبين على الابتعاد عن مرشحى التطرف اليسارى أو اليمينى.