يقدم لك الجدل حول عنف طلاب الإخوان فى الجامعات، نموذجا للكيفية التى يتم بها تلبيس الحق بالباطل.
إذ يواجه انتقاد البذاءة والشغب والحرق والتدمير، بالحديث عن حق الطلاب فى التعبير عن آرائهم والحريات الجامعية والقيود الأمنية.
الخدعة الخبيثة أطلقتها مواقع الإخوان الإلكترونية وتلقفها كتابهم فى الصحف، ووجدها نفر من كارهى ثورة ٣٠ يونيو وما تأسس بعدها على أنقاض سنة الإخوان البائسة فى الحكم، فرصة للقدح فيها.
أرجو أن تنتبه إلى ملاحظتين مهمتين، أولاهما أن الشغب بدأ من اليوم الثانى مباشرة لبدء الدراسة، وأنه استهدف شركة الأمن الخاصة التى تنحصر مهمتها فى تنظيم دخول الطلاب إلى الحرم الجامعى، فتم تكسير الماكينات الإلكترونية فى جامعات القاهرة والأزهر والإسكندرية، بطريقة متتالية وممنهجة، والاعتداء على أفراد الأمن وترويعهم.
كان الهدف هو مواصلة ما بدأه طلبة الإخوان من بلطجة فى العام الماضى، والذى كان هدفه «عودة الشرعية»، يعنى عودة مرسى ومرشده وإرشاده، ولا علاقة لهذا كما ترى، بالحريات الجامعية، ولا توسيع آفاق البحث العلمى والارتقاء بمستوى الجامعة، إنما هى حلقة فى مسلسل «التباتة» الإخوانية التى اعتدناها، ولذا فإن المقالات المطولة التى دبجها كتاب الإخوان وهتيفة «يسقط يسقط»، استندت إلى وقائع إجرامية فى الحديث عن قضية لا يمكن أن تكون محل جدل، وهو ما اعتبرته منذ البداية خدعة، هدفها تلبيس الحق بالباطل.
الملاحظة الثانية أن المدافعين عن شرعية مرسى وإخوانه تحت غطاء «حق الطلبة فى التعبير عن آرائهم»، وجدوها فرصة ليحدثونا عن تراجع مستوى الجامعات المصرية فى التصنيف العالمى، وهو أمر محزن ولا ريب، لكن لا صلة بينه وبين تظاهرات الطلبة، فالحقيقة أن الطلبة لم يتوقفوا أبدا عن التظاهر فى كل العهود، من عبدالناصر إلى مبارك، وإن كان الحرق والتدمير والبذاءة واقتحام مكاتب الأساتذة من مستحدثات طلبة الإخوان، ومع ذلك، واصلت الجامعات تدهورها، حتى وجدنا بين خريجيها من لا يجيد القراءة والكتابة، ولو كان ارتقاء الجامعة له علاقة بالمظاهرات، لاحتلت الجامعات المصرية المرتبة الأولى.
بعضهم حدثنا أيضا عن سيطرة الأمن على تعيينات الأساتذة بالجامعات والتحكم فى ترقياتهم، وإذا كان ذلك صحيحا، فإننا ينبغى أن نوجه اتهاما صريحا للأمن بالعمالة لجماعة الإخوان، التى يتوزع أكثر من ٢٠٠٠ من أعضائها على جامعات مصر ضمن هيئات تدريسها، فضلا عن مئات آخرين فى وظائف إدارية.
وبصرف النظر عن أكذوبة استبعاد أعضاء جماعة الاخوان من التعيين فى الجامعات، فقد تم استدعاؤها كما ترى، فى سياق لا صلة له بها، لكنها «التباتة» والتذاكى السمج.
المؤكد أن أحوال الجامعة سيئة، وأن امكاناتها المادية والبشرية لا تؤهلها للاضطلاع بدورها المفترض فى خدمة البيئة ومجالات البحث العلمى، كما أن مستوى خريجيها - فضلا عن بعض المنتسبين إلى هيئات تدريسها - ليس على ما يرام، وهو أمر نعايشه منذ سنوات طويلة، كما أن تجاوزه ممكن ضمن قدرتنا على تجاوز عديد من أزماتنا لو خلصت النوايا وتعاملنا معها بأساليب العلماء لا بمنطق الفهلوية.
المؤكد أيضا أن لا صلة لتدهور الجامعة وتراجع البحث العلمى، بتظاهرات الطلبة والترويج للعنف والشغب.. لكنها المراوغة والموالسة وتلبيس الحق بالباطل.