من هو المتهم فى قضية تورتة عيد الميلاد فى نادى الجزيرة الرياضى، التى شغلت وسائل التواصل الاجتماعى طوال الأيام الماضية؟!
المتهمون كثيرون، وعددهم وترتيبهم أمر نسبى يراه كل شخص حسب أفكاره ومعتقداته وآرائه وثقافته والأهم حسب طريقة تفكيره.
حسب عدد كبير من الناس، فإن ما حدث هو فسق وفجور وانحلال، ولا بد من معاقبة العضوات عقابا رادعا، لا يقف فقط عند شطبهن من عضوية النادى العريق، بل يصل إلى ضرورة التحقيق معهن أمام النيابة. وهناك رأى يمثله فريق آخر يرى ما حدث شيئا محزنا ومؤسفا، لكنه لا يصل إلى حد الشطب والتحقيق، باعتبار أنه يدخل فى نطاق الحرية الشخصية والخصوصية، حتى لو كان صادما لقطاعات كثيرة فى المجتمع.
لن أدخل فى جدل: هل ما حدث فى حفل عيد الميلاد يوم ١٠ يناير الماضى كان مقصودا ومخططا له أم لا؟ العضوات يقلن إنها كانت فى الأساس موجهة لفتاة تحتفل بزفافها، لكن السيدة التى صنعت التورتة أقرت فى تحقيقات النيابة أن العضوات تواصلن معها وطلبن منها صناعة التورتة على شكل أعضاء جنسية، ثم تراجعت، وقالت إنها صنعت وأرسلت تورتة عادية فقط، وقررت النيابة إخلاء سبيلها بغرامة خمسة آلاف جنيه، لكن مع اتهامها بـ«خدش الحياء».
ما أقصده من هذا المقال ليس إدانة أو تبرئة عضوات النادى ومعظمهن شخصيات عامة وأساتذة جامعات مرموقات وأعمارهن تجاوزت السبعين عاما.
ليس دورى اليوم أن أكون واعظا أخلاقيا، بل سأحاول التركيز على نقطة مهمة صارت عنصرا حاكما فى معظم جوانب حياتنا، وهى الدور الخطير الذى يلعبه الموبايل، بحيث إنه قلب حياتنا رأسا على عقب.
الذى حدث فى نادى الجزيرة، يحدث فى أماكن كثيرة فى مصر، والعالم أجمع. لكن الجديد فقط أن هناك قاتلا صامتا اسمه الموبايل صار قادرا على اغتيال سمعة وكرامة وكبرياء وأسرار أى شخص بمجرد التقاط صورة أو الضغط على زر تسجيل مكالمة أو تصويرها فيديو.
تخيل أنك تجلس وسط مجموعة من الزملاء أو الأصدقاء تتحدثون فى تلقائية وعفوية فى أمور شخصية أو عامة، وقرر أحدكم أن يقول نكتة خارجة أو يقوم بتقييم شخص آخر غير موجود فى الجلسة، وفى هذه اللحظة قرر أحد الجالسين أن يسجل ما يحدث ثم يضع كل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعى.
بل قد لا يكون هناك شخص سيئ النية، إنما قام بالتقاط صورة لكم وبعلمكم، وحينما يضعها على وسائل التواصل الاجتماعى، يفهمها كثيرون بصورة مغايرة تماما لمعناها الأصلى.
وبالصدفة البحتة وخلال الجدل على تورتة نادى الجزيرة، انشغل قطاع كبير من السعوديين بالوليمة التى أقامها الداعية عائض القرنى، لعدد من رجال الأعمال والشخصيات العامة فى السعودية.
ما ظهر فى مقطع الفيديو أن عدد الحاضرين عشرة أشخاص أكلوا ٧ ذبائح. وقال الداعية إن عدد الحاضرين كانوا ٤٥ شخصا والذبائح ٣ فقط. وأتذكر أن صديقا صحفيا أقام إفطارا فى منزله بالحوامدية خلال شهر رمضان منذ حوالى ثمانى سنوات.
فى هذا الإفطار قدم للضيوف ما يقدمه معظم المصريين من الطبقة الوسطى. يعنى بضع فرخات وبطة وكمية قليلة من اللحوم والأرز والسلطات.
أحد الحاضرين وضع الصورة على الفيسبوك، لكنها تحولت بقدرة قادر إلى وسيلة للإيحاء بأن الصحفيين يتقاضون مبالغ ضخمة علما أن ذلك لم يعد صحيحا و«حالهم يصعب على الكافر» الآن!. بل إن مواقع معادية حاولت توظيف هذه الصورة سياسيا بطريقة لئيمة.
ما هو الحل لكل ذلك؟!
كثيرون بدأوا يبتعدون تماما عن وسائل التواصل الاجتماعى، والبعض لا يترك الموبايل فى غرفة نومه، ظنا أنه يمكن أن يتحول إلى وسيلة تجسس تنقل كل ما يدور فى الغرفة للخارج!!!. والبعض الثالث يستخدم أجهزة تليفون بدائية ظنا أنها بمنأى عن المراقبة والتلصص. والبعض الرابع يحاول أن يضبط نفسه ويفرملها بحيث لا يتحدث إلا فى إطار الكلام العام، الذى لا يقبل تأويلا، ويرفض أن يتم تصويره تحت أى مسمى من المسميات.
رأيى أن ما حدث فى نادى الجزيرة مؤسف ومحزن وغير أخلاقى، لكن خوفى الأكبر هو من هذا القاتل الصامت الذى يهدد الجميع بالفضيحة فى أى وقت، ولا يقل خطرا عنه وسائل التواصل الاجتماعى التى صارت وسائل تفاضح اجتماعى، فاحذروها!!!