فى الثانية عشرة وخمس وعشرين دقيقة من بعد ظهر أمس الأول الأحد تلقيت اتصالا من شخصية رفيعة المستوى فى مجلس النواب، يعاتبنى فيها على لفظ ورد فى مقالى فى نفس اليوم، إذ قلت إن «البرلمان كان متسامحا ومرنا مع الحكومة بأكثر مما ينبغى» وذلك فى معرض تفنيد آراء المؤيدين للتعديلات الدستورية المقترحة، ومن بينها أن صلاحيات البرلمان قد تعرقل عمل رئيس الجمهورية خصوصا إذا أراد أن يقيل أحد الوزراء.
قلت للقيادى الكبير فى البرلمان أن كلمة «مرن» التى وصفت بها مجلس النواب لم يكن القصد منها السخرية، بل حاولت وصف واقع أراه حقيقيا، فى حين أن كثيرين يرون البرلمان «لا يهش ولا ينش مع الحكومة».
انتهى العتاب سريعا، وقال لى «النائب السوبر» إنه حتى هذه اللحظة لا يوجد أى شىء ملموس، بشأن التعديلات المقترحة، وكل ما قيل هو اقتراحات من النائب إسماعيل نصر الدين سبق له الحديث عنها قبل شهور، مضيفا: «لن تمر أى تعديلات دستورية إلا إذا كانت صحيحة».
سألت المصدر: ولكن حديث الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس خلال مناقشة رسالة الماجستير، بجامعة المنصورة قبل أيام أوحى بأنه يؤيد التعديلات.
أجاب المصدر بأنه تحدث مع الدكتور عبدالعال بالفعل فى هذه النقطة، وفهم منه أنه كان يعلق على نقطة فنية تتعلق بالشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية وعدم حمله لأى جنسية غير المصرية، وأن ذلك لا ينطبق على أعضاء البرلمان، ثم أشار عرضا إلى التناقض بين تعيين رئيس الجمهورية للوزير، وعدم قدرته لاحقا على إقالته إلا إذا وافق البرلمان.
هذا الخبير الدستورى أكد أن المدرسة الفرنسية وهى الرائدة فى العالم دستوريا ــ بعد أن ورثت هذه الصفة من إنجلترا ــ ألغت حق الاستجواب منذ عام ١٩٥٨، وأن سحب الثقة صار أمرا نادرا، لأن غالبية برلمانات العالم تحكمها الأحزاب السياسية عبر حكومة الأغلبية، وبالتالى لا يمكن تخيل أن حكومة سوف تسقط نفسها!!
الكلام صحيح، لكن أعتقد أن المقارنة قاصرة لأن ظروفنا مختلفة، ولا توجد لدينا أحزاب حقيقية.
من هذه الزاوية فإن المصدر يشكو من أن هذا البرلمان مظلوم جدا لعدم وجود حزب سياسى حاكم للمرة الأولى منذ عام ١٩٢٤، وكذلك عدم وجود كتلة صلبة من المؤيدين. بل هناك نواب يصوتون اليوم مع هذا القانون، وغدا ضد مشروع قانون آخر، وبعضهم فى ائتلاف «دعم مصر» المحسوب على الحكومة. هذه التوليفة تزعج أى رئيس للمجلس والحكومة.
يقول هذا النائب إن الدستور المصرى الحالى هو ممتاز جدا، ولم يكن هناك أفضل منه فى اللحظة التى صدر فيها، باعتباره كان يهدف إلى إحداث أكبر قدر من التوافق فى المجتمع، لكن السؤال هو: هل هذا المنتج جيد فى الظروف الراهنة؟! الإجابة من وجهة نظره هى: لا.
ويستشهد القيادى البرلمانى بأن الدستور الأمريكى دخل حيز النفاذ فى ٤ مارس عام ١٧٨٩، وفى ديسمبر من نفس العام تم تقديم عشر تعديلات دستورية وصدرت بالفعل بعد شهور قليلة، لتصل التعديلات لاحقا إلى ٢٧ تعديلا.
يضيف أن الدساتير الانتقالية يفترض أن تنتصر لتطويل مدة الرئيس، وتنحاز للنظام الرئاسى، حتى لا تتعرض البلاد للشد والجذب والانقسام بين السلطات المختلفة، فى حين يرى أن الدستور الحالى «قلب الآية»، وقلل من سلطات الرئيس لمصلحة البرلمان والحكومة.
يسأل الصدر: كان سهلا أن نعترض على اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولى ونلغيه، لكن ما هى عواقب ذلك على الاقتصاد والمجتمع؟!. هو يعتقد أنه عقب الثورات أو الاضطرابات لابد من وجود أكبر قدر من التفاهم بين الحكومة والبرلمان. لأنه ما أسهل الاستجواب وإسقاط الحكومات، وما أصعب بناء وتثبيت المؤسسات والدول.
كل ما سبق كان وجهة نظر القيادى البرلمانى الذى اتصل بى وعرضت وجهة نظره بكل أمانة انحيازا للموضوعية ،حيث إننى عرضت فى الأيام الثلاثة الماضية وجهات نظر المعارضين للتعديلات الدستورية.. وقلت خلالها إن رأيى هو أن من حق البرلمان والرئيس إرجاء التعديلات، لكن السؤال: هل نحن نحتاج إليها الآن فعلا، خصوصا أن ضررها قد يكون أكثر من نفعها.