إنها سنوات الراديو، وفى هذه الفترة صارت السينما راديو مصورا أمام عينى المشاهد، ولهذا السبب ازدهرت السينما الغنائية، وكان لا يمكن أن ترى فيلما بدون أغان. وكانت افلام السيدة أم كلثوم، وعبدالوهاب، وليلى مراد مزدحمة بالأغناني، ولهذا السبب صارت دفاتر هؤلاء النجوم وثائق ثمينة تباع الآن لدى الهواة بأسعار عالية للغاية.
وفى فيلم «حياة حائرة» الذى كتبه وأخرجه أحمد سالم عام 1948، شاركته البطولة المطربة نور الهدى التى ملأت الفيلم بالاغنيات، والغريب أن الناس على مدى العقود قد نسوا الاغنيات التى لم تصمد مع اخرى كثيرة تتغناها جميع الأجيال، ولأن المطربة تظهر على الشاشة لمدة زمنية أطول وهى تغني، فإن اسمها كان يسبق زميلها ايا كانت نجوميته، ولهذا السبب فإن اسم المطربة كان موازيا لاسم أحمد سالم رغم أنه المنتج والمخرج، ورغم الاحساس بالذاتية العليا لديه كفنان، واداري، ومؤلف، وسوف يكرر احمد سالم الأمر نفسه مع نور الهدى فى فيلم آخر أخرجه فى العام نفسه هو «المستقبل المجهول»، وجعل اسم المطربة قبل اسم زوجته، فى تلك الفترة، مديحة يسرى.
كان الناس يشاهدون هذا النوع من الأفلام فى أجواء نفسية خاصة، داخل قاعات الدرجة الأولى، حيث يبدو المشاهد كأنه فى حالة سلطنة ملحوظة، وقد تغيرت سمات السلطنة مع تغير العقود وصارت المشاهد الغالبة مليئة بالمتعاطين وجلسات التحشيش والتعاطى مثلما لاحظنا بقوة فى فيلم «الباطنية».
من يشاهد أفلام أحمد سالم التى يكتبها، سوف يلاحظ أنه كان حريصا جدا أن يكون اسم بطل هذه الأفلام هو أحمد علو»، مثلما حدث فى «الماضى المجهول» و«المستقبل المجهول» ليكون ذلك أمرا غريبا من نوعه فى تسمية أبطال الأفلام، وقد كان سالم يميل أن تشاركه أسماء بعينها، وعلى رأسهم بشارة واكيم، ومحمود المليجي، وفردوس محمد، ما يعنى انه كان يميل إلى اشخاص بأعينهم، وقد بدا ذلك فى عناوين افلامه. فبعد نجاح فيلم «الماضى المجهول»« قدم فى العام التالى فيلمه «المستقبل المجهول» ونحن لن نحك قصة الفيلم، حيث إن الهدف من هذه المقالات هو تشجيع الأجيال على رؤية افلام لم يشاهدها سوى أجدادنا، ولا يعرف عنها أبناء الأجيال التالية أى شيء، وبالنسبة لنور الهدى فإن أغلب الأدوار التى كانت تسند اليها هو دور المطربة المشهورة، مثلما رأيناها فى «مجد ودموع» أمام محمد فوزى، و«عايزة أتجوز» و«ماتقولش لحد» أمام فريد الأطرش، لكنها فى هذا الفيلم تلعب دور البنت التى حصلت على التوجيهية، وتتعرض لحالة من التحرش، وأثناء الدفاع عن نفسها تنطلق رصاصة تقتله، وتتم محاكمتها، وتساق إلى السجن، أما أحمد علوى فهو شقيق القتيل الذى يشهد الحادث، وفى زيارة له إلى لبنان يرى الفتاة هناك، لقد هربت من الحبس، ويتعرف عليها، وهو يعرف أنها ليست بقاتلة، وهكذا تدور الأحداث إلى أن تتم براءتها، وتعود إلى حياتها الطبيعية.