اكتشفت أننى شخص حالم حينما اعتقدت أن قادة الأحزاب التى فشلت فى تحقيق نتائج مرضية سوف تتقدم باستقالتها لتتيح لدماء جديدة أن تواصل المسيرة.
فى كل الديمقراطيات المحترمة، الأحزاب الجادة إذا فشلت فى أى انتخابات فإنها تسارع إلى الاستقالة، تجتمع المستويات القيادية وتحلل لماذا حدث الفشل، ثم تتخذ قرارا إما بانتخاب وجوه جديدة تستطيع إعادة بناء الحزب أو تجديد الثقة بالقيادة القديمة.
رأيى فى قادة الأحزاب التقليدية التى تدعى أنها رئيسية سجلته هنا كثيرا، وخلاصته أنهم دمروا هذه الأحزاب.. والبعض انتقدنى واتهمنى بأننى أساعد فى هدم هذه المؤسسات الحزبية المدنية وأن القوى الإسلامية هى التى سوف تستفيد من هذا الهجوم.
لا أهاجم الأحزاب، بل أهاجم قياداتها الفاسدة والفاشلة والمتواطئة مع نظام مبارك. غالبية أعضاء هذه الأحزاب وطنيون ومثاليون ومعظمهم دفع ثمنا غاليا نظير مواقفه المبدئية سواء من جانب أجهزة الأمن أو من التنكيل بقادة حزبه.
ولذلك وبسبب غياب أى ممارسات ديمقراطية فعلية لم يكن هناك فارق يذكر بين الحزب الوطنى المحروق وبين هذه الأحزاب «المضروبة» التى غادرها أعضاؤها المحترمون وفضلوا الانزواء بعيدا عن فساد قادتهم.
هذه الأحزاب دخلت الانتخابات الأخيرة، التى تمتعت بدرجة عالية من النزاهة رغم كل الانتهاكات، وبالتالى يصعب تعليق الفشل على شماعة التزوير.
لا نستطيع أن نتهم أحزاب الشباب الجديدة بالفشل لأنها حديثة العهد بالعمل السياسى وتعرضت لظلم فادح بسبب نظام الانتخابات والتقسيم الغريب للدوائر، ولذلك ينبغى إعطاؤها فرصة حتى الانتخابات المقبلة ليكون الحكم عليها موضوعيا.
لكن ماذا عن الأحزاب التى تأسس بعضها منذ عام 1976؟!
كيف يفشل حزب عمره أكثر من 35 سنة فى الحصول على واحد فى المائة من المقاعد ويدعى أنه حزب شعبى؟!
إحدى الفوائد الكثيرة للانتخابات الأخيرة أنها ستقضى على الأحزاب الكرتونية، ولن يستطيع حزب أنبوبى أن يخرج علينا الآن ويدعى أنه يمثل الشعب، لأننا وقتها سنقول له: «بأمارة إيه»؟!
لو أن أى رئيس حزب فشل فى تحقيق نتيجة جيدة فى الانتخابات الأخيرة وكان يملك حدا أدنى من احترام نفسه ذهب إلى قواعد حزبه وقدم استقالته.. فسوف نحييه ونتعامل معه باعتباره سياسيا حقيقيا قرر التنحى جانبا بعد إخفاقه وقد يمكنه العودة ثانية فى المستقبل فى ظروف مختلفة.
لكننا للأسف نكاد لا نرى خجلا بين قادة هذه الأحزاب وأتذكر أن قادة حزب النور السلفى قالوا إنهم سيستقيلون إذا فشلوا فى الحصول على 15٪، لكنهم تمكنوا من حصد نحو 25٪.
نسمع طنطنة كثيرة من بعض قادة هذه الأحزاب الفاشلة تطالب بتطهير البلاد من بقايا نظام مبارك وهو مطلب نبيل، لكنه حق يراد به باطل. التطهير الحقيقى ينبغى أن يشملهم هم أولا، لأنهم كانوا أكثر خطورة على الوطن من أسوأ رموز نظام مبارك، لأن الأخيرين كانوا واضحين، فى حين أن قادة أحزاب المعارضة كانوا غارقين حتى الثمالة فى الإفساد وهم يرتدون قناع المعارضة.
أولى خطوات التطهير، أن يسارع الشرفاء فى كل الأحزاب خصوصا القديمة إلى عزل الرؤساء الفاشلين بالطرق الديمقراطية.
لن يكون لدينا حياة سياسية نظيفة وأمثال هؤلاء يركبون فوق أكتاف أحزابهم.
والله إن هؤلاء الفاشلين أخطر على الثورة من كثير من الفلول، لأنهم هم الذين يطعنون فى الثورة من الخلف.
«عجبت لمن لا يجد ديمقراطية فى حزبه ولا يخرج شاهرا سيف الإقالة فى وجوه قادته».