نشر موقع Spiegel مقالا للكاتب Nils Minkmar، تناول فيه فشل دول الاتحاد الأوروبى فى مساعدة بعضهم البعض فى ظل محاربة فيروس كورونا، مما يدل على عدم فاعلية هذه المنظمة مع ضرورة إعادة النظر فى هذا التحالف فور انقشاع الغمة... نعرض منه ما يلى:
بالتأكيد لن ينسَى الإيطاليون الطائرة التى هبطت مليئة بطاقم طبى وإمدادات إغاثة من الصين ــ أو بمعنى أدق لن ينسَى الإيطاليون حقيقة عدم وصول مثل هذه الطائرات من أى دولة أوروبية أخرى مثل فرانكفورت أو باريس أو بروكسل. لذلك كانت أوروبا مخيبة للآمال فى ظل هذه الأزمة حتى الآن.
إنها صدمة حقيقية أن نرى الاتحاد الأوروبى ضعيفا ويتلاشى. فكم عدد السياسيين الذين كرسوا خطابات لا تنتهى مشيدين فيها بفضائل هذه المنظمة؟. وكم مرة تم ضرب المثل بأوروبا كحل نهائى ضد القومية واللاعقلانية والميول غير الليبرالية؟
عندما ساءت الأمور، تُركت كل من إيطاليا وإسبانيا لتدافع عن نفسها بمفردها. كانت هناك تبادلات ومساعدات بالتأكيد من خلال بعض القنوات. كما كان هناك تواصل بين وزراء الصحة على المستوى الإقليمى. لكن العمل كان كالمعتاد فى حين كان يتطلب الوضع التفكير خارج الصندوق. بالطبع، المعركة الفعلية ضد محاربة هذا الوباء والسيطرة عليه، هى أولا معركة محلية، ثم معركة إقليمية ووطنية. لذلك كان ينبغى على أوروبا أن تندفع للعمل لمساعدة الأشخاص المسئولين عن إدارة الوباء فى شمال إيطاليا، تيرول ومدريد. ولما كان من الصعب إرسال العمال، كان من المنتظر التبرع بالمواد والأموال ــ كبعض الإجراءات الرمزية التى تعبر عن التضامن الأوروبى.
سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين ورئيسة المجلس الأوروبى تشارلز ميشيل إلى اليونان منذ وقت ليس ببعيد للإشادة بالحزم التى تستخدم للدفاع عن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى ضد اللاجئين. وفى غضون ذلك، أوقفت أوروبا على عجل الحق فى اللجوء، والذى من المفترض أن يتمكن اللاجئون من اللجوء إليه فى أى وقت ــ وهى خطوة لم يجرؤ حتى ترامب على اتخاذها.
عار على أوروبا
يا له من عمل بطولى: تأمين الحدود الخارجية لأوروبا! لإبعاد اللاجئين والمستغيثين! بل على العكس من ذلك، فإن إبعاد المدنيين العزل بلا رحمة وتركهم فى أسوأ الظروف لأسابيع ليس عملا بطوليا على الإطلاق. وعلى أى حال لا يبدو أن هناك الكثير من التضامن داخل الاتحاد الأوروبى هذه الأيام. حيث تفاجئ دولة تلو الأخرى جيرانها بقواعدها الخاصة.
وبدلا من بذل جهود متضافرة لتطويق الإصابات الأكثر تضررا وتقديم الدعم لها، تم إغلاق الحدود بشكل تعسفى والذى ليس له أى تأثير نظرا لأن الفيروس قد وصل منذ فترة طويلة إلى جميع البلدان. لكنه أسهم فى إحداث تدمير رمزى ومستفحل للثقة بين البلدان الأوروبية.
فعلى سبيل المثال، اتخذت ألمانيا إجراءات على طول حدودها مع فرنسا الأسبوع الماضى، وصفتها برلين بأنها «إغلاق الحدود»، ولكن فى باريس، أشاروا إليها فقط على أنها «تشديد الرقابة». وإجراء مثير مثل هذا، لم يكلف البلدان المعنيان حتى عناء إصدار إعلان مشترك؟!
وبينما يُسمح للطائرات القادمة من إيران والصين، وكلاهما من البلدان التى تفشى فيهما الوباء، بالهبوط دون أى عوائق فى المطارات الألمانية، إلا أن الركاب من لورين الذين يريدون الذهاب إلى عملهم فى ساربروكن يتعرضون للمضايقة على الحدود.
لسوء الحظ، يرسل كل هذا رسالة واضحة للغاية.. الاتحاد الأوروبى هو خيال، وحلم بعيد يوتوبى يسعى إلى إبقاء الناس سعداء. ولكن عندما لا تعرف أى دولة ما الذى يجب فعله، فهى تقوم فقط بإعادة ضباط الجمارك إلى نقاط الحدود كما كان الحال قديما. وإذا كان يؤدى ذلك إلى التقاط صور تلفزيونية سريعة لإعطاء الانطباع بأن شيئا ما يتم فعله، إلا أن هذه الحقيقة لا تكشف إلا عن العجز. فيقول ميخائيل جورباتشوف فى مذكراته كيف أنه، بصفته عضوا شابا فى المكتب السياسى للاتحاد السوفيتى، شهد ذات مرة نقاشا حول مكافحة البطالة. فكر الرفاق الأكبر سنا فى إرسال الشرطة إلى المنتزهات ودور السينما للقبض على العاطلين. وعندما سأل عما يفترض أن يحققه هذا، رد زملاؤه بأنهم اعتادوا على حل كل مشكلة بواسطة الشرطة وهذه هى الطريقة التى سيتعاملون بها مع هذه المشكلة أيضا. والآن ترتكب الحكومات الأوروبية نفس الخطأ المتمثل فى اتخاذ إجراءات غير كافية. وبدلا من التعاون مع بعضهم البعض لمواجهة الوباء، فإنهم يلجأون إلى التفكير المختلف والتوبيخ المتبادل.
يثنى كل وزير صحة أوروبى على شعبه ــ ومدى حنكة الباحثين، ومدى شجاعة طاقمهم الطبى، ولكن يمكننا أن نتخيل كم ستكون الأشياء أفضل إذا تعاونت أوروبا فى هذه الأزمة. وبنفس الطريقة التى تقوم بها شركات العطور الفرنسية الآن بإنتاج جل لتعقيم اليدين، يمكن لشركة «سيمنز» والشركات الصناعية الأخرى أن تبدأ أيضا فى إنتاج المعدات الطبية وتوفير مستشفيات حاويات لمواجهة نقص أعداد الأسِرة فى المستشفيات.
فى النهاية، هذا هو الهدف الذى أنشئ الاتحاد الأوروبى لأجله. ففى كل مكان، تؤدى المحنة التى أحدثتها الأزمة إلى ظهور تحالفات ومبادرات جديدة وشجاعة متجددة من جانب الوسطاء السياسيين. وستكون مهمة الدول الأوروبية الأولى بمجرد انتهاء هذا الوباء إعادة التفكير فى أوروبا وإعادة بنائها بطريقة جديدة وأفضل. فلسنا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبى كما تمثله المفوضية الأوروبية فى الوقت الحالى. وفى الواقع، لقد انهار بالفعل ليصبح غبارا فى أيدى أولئك الذين يحاولون التمسك به.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد.
النص الأصلى:من هنا