الرد على الرد - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرد على الرد

نشر فى : الإثنين 22 أبريل 2024 - 6:45 م | آخر تحديث : الإثنين 22 أبريل 2024 - 6:45 م

 تزامنًا مع الذكرى الخامسة والثمانين لميلاد مرشدها؛ أكدت مصادر أمريكية تعرض إيران لهجوم صاروخى إسرائيلى، طال أهدافا قريبة من منشآت نووية، قاعدة جوية ومصنع للمسيرات بمدينة أصفهان. وذلك فى رد مُلح على الاستهداف الإيرانى المباشر للعمق الإسرائيلى، قبلها بأسبوع.

ابتغاء تلافى الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة وشاملة، أعرضت حكومة نتنياهو، عن إعلان مسئوليتها، رسميًا؛ فيما أنكر نظام طهران تعرض أراضيه لأية هجمات من الخارج؛ نافيًا وجود أية خطط للرد أو الانتقام، ما لم تقدم إسرائيل على شن ضربات أشد وطأة.

رغم كونها السابقة الأولى، التى تستهدف فيها أصولًا عسكرية محمية بنظام الدفاع الجوى من طراز «إس – 300» داخل إيران، فقد كانت المرة الثانية، التى تستهدف فيها إسرائيل العمق الإيرانى، حيث سبق لمُسيرة هجومية تابعة للموساد، استهداف موقع لإنتاج الأسلحة، وآخر تابع لوزارة الدفاع الإيرانية، فى يناير2023.

تلاشى الهجوم الإسرائيلى الأخير، المساس بمنشآت إيران النووية. كيف لا؟! وقد حذرت طهران من رد بالغ القسوة، غير مستبعدة استهداف منشآت نووية إسرائيلية، إذا ما قامرت إسرائيل بهكذا خطوة. وفى ثنايا تلويحها بالتحلل من أية التزامات تقيد مشاريعها لتطوير برنامجها النووى، حذرت واشنطن من أن يتمخض دعمها لأى رد إسرائيلى، عن استهداف إيرانى للأصول والقواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة.

تقصد الطرفان من الرد والرد على الرد، تبادل الرسائل بشأن تغيير قواعد الاشتباك المتبعة بينهما منذ سنوات، وتأكيد قدرة كل منهما على تحقيق الردع، عبر اختراق عمق أراضى الآخر، والاقتراب من إلحاق الأذى بأصوله العسكرية الحساسة. ولئن لم يُلحق بها خسائر بشرية أو مادية عميقة، فرض الهجوم الإيرانى على إسرائيل معطيات استراتيجية مهمة.

أولها: تجاوز إيران حقبة «الصبر الاستراتيجى»، أو «الردع اللامتماثل من خلال الوكلاء»، صوب مرحلة «الردع بالأصالة». واعتلاء المنطقة، رسميًا، موجة حروب الصواريخ والمسيرات. فوفقًا لإحصاءات الجيش الإسرائيلى، أطلقت إيران، صوب الأراضى الإسرائيلية، 150 صاروخًا بينهم 110 باليستيا متوسط المدى، و36 كروز مجنح، و185 طائرة مسيرة هجومية، تحمل جميعها ما يزن 50 طنًا من المتفجرات. وبينما تسنى لإيران إطلاق هذا الكم من الصواريخ والمسيرات فى ساعات معدودات، تؤكد تقارير غربية امتلاكها ترسانة تضم آلافًا منها. فى غضون ذلك، أثبتت إيران قدرة مسيراتها وصواريخها على بلوغ العمق الإسرائيلى، بدقة مذهلة. إذ نجحت فى إدراك الأصول العسكرية والاستخباراتية التى هاجمت القنصلية الإيرانية بدمشق. حيث بلغت المركز الاستخباراتى بجبل الشيخ فى الجولان السورى المحتل، كما أدركت أربعة صواريخ قاعدة «رامون» الجوية، ووصل خمسة آخرون قاعدة «نيفاتيم»، التى خرجت منها طائرات «إف 35» لضرب القنصلية. وإذا ما تمكنت طهران من إنتاج رءوس نووية، وتحميلها على تلك الصواريخ، سيكون بمقدورها تحقيق توازن الردع الكامل مع إسرائيل.

وثانيها، أن الهجوم الإيرانى، أثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن إسرائيل لم يتم فطامها استراتيجيًا من الاعتماد على حلفائها الغربيين، لا سيما الولايات المتحدة. وأن تفانيها فى تطوير قدراتها الهجومية ومنظوماتها الدفاعية، لم يكن كافيًا لتمكينها من تحقيق الردع المستقل فى مواجهة خصومها الإقليميين. حيث يرجع الفضل الأكبر فى اصطياد غالبية الصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى منظومات دفاعية أمريكية، منتشرة بالقواعد الثابتة للقوات الأمريكية فى الأردن والعراق، فضلًا عن شمال سورية، إضافة إلى حاملات الطائرات والسفن الأمريكية المنتشرة بالبحرين المتوسط والأحمر، كمثل «يو إس إس أرلى بيرك»، و«يو إس اسكارنى». فضلًا عن مساعدة مقاتلات بريطانية، فرنسية وألمانية. وقد بلغت كلفة عملية إحباط ذلك الرد الإيرانى 1.3 مليار دولار.

لذلك، وبعدما أعرب عن بالغ تقديره للجهود الدفاعية المشتركة لإحباط الهجوم الإيرانى، دعا رئيس الأركان الإسرائيلى، إلى تعزيز الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط، عبر تحويل التحالف الإسرائيلى الأمريكى، الإقليمى، الذى التأم لصد الهجوم الإيرانى، إلى تكتل أكثر صلابة واستدامة. وهنا يثور السؤال بشأن الموقف العربى. خصوصًا فى ظل محاولات إيران استغلال اشتباكها مع إسرائيل لاستباحة أجواء دول عربية؛ ما اضطر الأردن إلى إسقاط بعض المسيرات الإيرانية، التى حاولت عبور أجوائه لبلوغ إسرائيل. وبينما أبدت إيران استياءها، أكد الأردن رفضه استخدام مجاله الجوى من قبل أى طرف، ولأية غاية، نظرًا لما يشكله من انتهاك لسيادته، وتهديد لأمنه القومى.

نفذت إسرائيل ردًا محسوبًا متناسبًا وغير مسبوق، لاستعادة صدقية قوتها الردعية فى مواجهة إيران، بما لا يغضب واشنطن، التى أبلغتها به قبل تنفيذه بوقت قصير. وبما لا يفضى إلى إشعال المنطقة. حيث تدرك حكومة نتنياهو، أن صد الهجوم الإيرانى تم عبر ردع «بالوكالة» من قبل حلفائها الغربيين. ومن ثم، تريد إثبات قدرتها المستقلة على الردع. غير أن الرد الإسرائيلى المنفرد على الرد الإيرانى جاء ملتزمًا بسقف استراتيجى أمريكى، بعدما أثبت اعتماد الردع الإسرائيلى على الحلفاء الغربيين، أنه لا يمكن لتل أبيب، الرد على الرد الإيرانى، بغير دعم ومباركة من لدن واشنطن. حيث أكد الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلى والرئيس الحالى لمعهد دراسات الأمن القومى، تاميرهايمان، أن إسرائيل تصرفت لأول مرة، كجزء من تحالف دولى. إذ إن غالبية الصواريخ والمسيرات الإيرانية أسقطتها الأصول العسكرية الغربية لأصدقاء تل أبيب الغربيين، وليس دفاعات الجيش الإسرائيلى. الأمر، الذى من شأنه تقليص حرية، نتنياهو، فى التحرك، كونه سيمنح بايدن، وغيره من القادة الغربيين، نفوذًا حقيقيًا عليه.

أبت واشنطن إلا تجنب تصعيد التوترات فى الشرق الأوسط، وعدم خروجها عن السيطرة، بما يعرقل إرساء الاستقرار الإقليمى، ويطيل معاناة الاقتصاد العالمى. فعلى أثر استمرار التوترات الجيوسياسية، بالبحرالأحمر، الذى تمر عبره 15% من التجارة العالمية، وتعطيل الملاحة فى قناة السويس. تزامنًا مع الاضطرابات فى البحر الأسود، جراء الحرب فى أوكرانيا، وانخفاض منسوب المياه فى قناة بنما، وصولًا إلى تعليق الحركة الجوية فى بعض دول المنطقة، نتيجة للتصعيد الإيرانى- الإسرائيلى، قفزت تكاليف الشحن والتأمين، تضررت طرق التجارة الرئيسية، تعطلت سلاسل الإمداد والتوريد، وارتبكت أسعار النفط، ومن ثم تضاعفت أسعار السلع. ولم يستبعد خبراء تجاوز تداعيات تلك المخاطر الجيوسياسية، خسائر جائحة «كورفيد19».

 لم تخف أوكرانيا سخطها من فرط الدعم الغربى لإسرائيل فى مواجهة إيران، فى الوقت الذى تتراجع وتيرة ذلك الدعم لكييف فى مواجهة الضغط العسكرى الروسى المتعاظم عليها. بدورهم، آثر الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون، تجنب المشاركة فى الرد الإسرائيلى على هجوم إيرانى، اعتبروه فاشلا، كونه لم يوجع إسرائيل. فرغم تأكيدهم دعمهم "الراسخ" لإسرائيل، ألمحوا إلى التخلى عن الوسائل العسكرية، وتنسيق عقوبات دبلوماسية واقتصادية لكبح جماح طهران. وبعدما تعهدوا بتعزيز أنظمة الدفاع الجوى والإنذار المبكر بالشرق الأوسط، لتحييد الصواريخ والمسيرات الإيرانية، قاموا بفرض عقوبات تستهدف تقويض برامج تطويرهما، كيانات تدعم الحرس الثورى، ووزارة الدفاع الإيرانية..

ليس معنى إعلان وشنطن وكل من طهران وتل أبيب، نهاية لعبة الرد، والرد على الرد، حتى إشعار آخر؛ أن أجواء الاستقرار والسلام قد أرخت أستارها على علاقاتهما القلقة، فى منطقة تتميز غيظا على وقع مأساة غزة. فبموازاة مواصلة الإسرائيليين والإيرانيين «حرب الظل»، أو «المعركة بين الحروب»، عبر استهداف إسرائيل قيادات وقدرات أذرع إيران الولائية، وحرمانها من ترسيخ تموضع استراتيجى داخل سوريا. سيباشر الخصمان حربها الهجينة، من خلال الهجمات السيبرانية وتوظيف الوكلاء. كما ستتفانى إسرائيل فى تحريض العالم على تشديد عزلة إيران وتقويض برامجها لتطوير الصواريخ والمسيرات وإنتاج السلاح النووى، علاوة على إدراج وكلائها وحرسها الثورى ضمن لائحة المنظمات الإرهابية.

التعليقات