تلك الجزيرة.. - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تلك الجزيرة..

نشر فى : الأحد 22 مايو 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 22 مايو 2016 - 9:45 م
تنتابك الرعشة المنعشة عندما يتناول البعض بلدك وأبناء بلدك بكثير من المديح المرتبط لا بالثراء وهى النظرة التقليدية للخليج وسكانه حتى بعد أن انفتحت دول الخليج على العالم وحتى بل وبعد أن أصبحت معظم المحطات والوسائل الإعلامية الرئيسية عابرة الحدود المتغيرة هى خليجية التمويل والخط السياسى.. حتى بعد كل ذلك لا يزال الخليج لا يعرف إلا بنفطه وغازه وثرائه.. حيث ارتبط كل هذا الإطراء والمديح بالبحرينيين والبحرينيات، كثير منه مرتبط بأخلاقهم وصفاتهم التى اتفق عليها الكثير ليس من العرب فقط بل والأجانب أيضا.. وتبقى تلك الجزيرة النائمة فى حضن الخليج المتكئة على كثير من الحضارات العريقة وعلى مدارسها الأولى التى أدخلت التعليم إليها قبل كل محيطها الواسع.. تلك الجزيرة التى كافح رجالاتها فى الماضى من أجل صيد اللؤلؤ حيث تقف النساء عند شواطئها تداعب أقدامها أمواج البحر وهى تهمس لكل موجة بأن تحفظ الزوج أو الأب أو الأخ أو الحبيب الذى يحلم أن يعود بـ«دانة» وهى الأكبر والأثمن والأجمل بين اللآلئ التى تسكن قاع بحرها..

***

تبدأ الحكاية بسؤال يبدو فى شكله الخارجى مجرد كسر لحاجز أو تمهيد لحوار قد لا يمثل إلا بعضا من السلوك واللياقة الاجتماعية، ولكنه ما يلبث أن يتحول إلى حديث فى الشجون عن ذكريات كانت فى تلك الجزيرة الصغيرة أو هى مجموعة الجزر المتناثرة..

فكلما سألنى أحدهم عن بلدى وجاءت إجابتى بأننى من البحرين لا أسمع إلا كثيرا من الإطراء وفى مجمله هو مديح للناس، للبشر، للبحرينيين والبحرينيات الحقيقيين.. حديث طويل عن الطيبة والبساطة وتقبل الآخر والوفاء واللهفة على الأصدقاء ومتابعة أخبارهم حتى لو كانت فى آخر بقعة على ظهر الأرض..

أصبحت أتوقع الكثير من الحديث الذى يدور بعد السؤال عن جنسيتى.. ولا أخفى بأننى أجد كثيرا من الفخر أن الجميع يتفق على أن الإنسان هو مصدر هذا المديح فلا هو بالنفط ولا الثراء ولا العمارات الشاهقة ولا الأسواق المتخمة بالبضائع من بقاع الكون المختلفة.. هو فقط الإنسان وفى الكثير يتبع ذلك أن بدايات التعليم فى البحرين المبكرة جدا هى التى خلقت هذا البحرينى والبحرينية وميّزتهم حتى عن الأقرب لهم..

وعلى الرغم كل الابتهاج بهذا الإطراء المتكرر إلا أن ما يشكل عامل قلق هو التغييرات التى بدأت تحدث على المجتمع البحرينى والتى قد تساهم فى تغيير هذه النظرة أو الصورة الجميلة للبحرينيين أينما كانوا. فقد بدأت بعض الأمراض المجتمعية تنتشر بشكل كبير وجزء منه مرتبط بنفس السبب الأول فى تميّز البحرين ألا وهو التعليم فلا يمكن أن يكون التعليم منغلقا على نفسه ومحصورا فى أمور محدده ولا يدفع لطرح الأسئلة، ويقتل المواهب والإبداع لدى الطلاب والطالبات، وينشر الخوف والرعب والغيبيات والظلمات بدلا من مساحات النور والانفتاح الذى جاء به المعلمون الأولون والمعلمات. فقد ساهم العديد من المعلمين والمعلمات الأوائل من عرب وبحرينيين بكل مساحات الضوء التى انتشرت فى البحرين وبالمحبة للآخر أو على الأقل احترام الآخرين على اختلافهم فى الدين أو العرق أو اللون أو حتى العادات والتقاليد.. فكل ركن فى هذه الجزيرة يرسم ملمحا من الملامح تلك. إلا أن هذه التلاوين قد بدأت تنحسر وكثير من أخلاقيات التسامح والتقبل للآخر قد تضاءلت مساحتها تدريجيا حتى ولو بقيت شريحة بسيطة من المجتمع هى الوحيدة المحافظة على بقايا من بقايا ذاك التراث الذى ميّز هذا الشعب الجميل..

***

لا يمكن لأى أحد اليوم إلا أن يلاحظ أن الأجيال الصغيرة قد تخلت عن كثير من العادات والأخلاقيات فيما تمسكت بقشور بعض المظاهر القديمة البالية فى معظمها.. حتى أصبح المرء يخشى على هذه الجزيرة من أن تفقد الكثير من جمالها الداخلى بعد أن اختفى جمالها الطبيعى خلف الحجارة والأسمنت وأصبحت جزيرة تبحث عن شاطئ.. فبعد الشاطئ خلف المدن الحديثة عبر دفن البحر والعمارات الشاهقة ومحاولة الاقتداء بنماذج قد تكون ناجحة فى دول الجوار التى لم تكن تملك الكثير فاتجهت للإبهار بالأكبر والأطول والأعلى والأعظم والأعمق..

يعود الأمر حتما إلى الأصل وهو الإنسان فى جمال أو تقبل أى بلد مهما صغرت أو كبرت تلك ربما الدبلوماسية الناعمة التى لم نعرف حتى الآن أن نستثمرها بشكل أفضل وأن نعوِّل عليها لتبقى تلك السمعة العطرة لهذا الشعب..
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات