هل تحد لائحة الانضباط من جرائم العنف المدرسى؟ - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الأحد 21 سبتمبر 2025 9:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

هل تحد لائحة الانضباط من جرائم العنف المدرسى؟

نشر فى : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:20 م

فى أول تطبيق للائحة الانضباط المدرسى التى اعتمدها وزير التربية والتعليم العام الماضى، انفجرت جرائم العنف داخل المدارس بدرجة صدمت الرأى العام المصرى، إذ تعددت الحوادث وتنوّعت، ووُثِّق كثير منها بالصوت والصورة ونُشر على المنصات الصحفية ومواقع التواصل، فيما أُحيل عدد كبير من الوقائع إلى التحقيقات الإدارية والجنائية.

وصُنف الموسم الدراسى 2024 ــ 2025 باعتباره الأسوأ من حيث عدد الجرائم والحوادث التى وقعت فى الفصول وساحات المدارس، بعدما خرجت الأمور عن السيطرة. فمن مشاجرة مدرسة «كابيتال» الدولية، إلى جريمة قتل طالب على يد زميله فى بورسعيد بسلاح أبيض، وإصابة عدد من الطلاب على يد زملائهم فى الجيزة، مرورا بجريمة قتل مدرس لطالب وتقطيع جثته فى الدقهلية، وصولا إلى سقوط تلاميذ من نوافذ الفصول وطوابق المدارس فى أكثر من محافظة، بدا المشهد أقرب إلى فيلم رعب يومى.

هذه الوقائع الصادمة، المضافة إلى بعض حوادث السير والتحرش والتسمم الغذائى وبيع المواد المخدرة فى محيط بعض المدارس، تحولت إلى مأساة يعيشها أبناؤنا فى سياق عام مفعم بالإهمال والعنف وسوء الإدارة وغياب المتابعة.. لائحة الانضباط المدرسى مهما بلغت درجة صرامتها، لا تستطيع وحدها ضبط هذا الواقع أو إصلاحه.

قبل أيام، أعادت وزارة التربية والتعليم التذكير بتطبيق لائحة الانضباط التى قسمت المخالفات إلى أربعة مستويات وفق درجتها وخطورتها على الطالب والبيئة التعليمية، ووضعت عقوبات تتدرج من التنبيه الشفهى إلى النقل التأديبى، وصولا إلى تحويل الطالب للدراسة من الخارج، غير أن حصيلة العام الماضى تؤكد أن تلك اللائحة لم تحد من تصاعد حوادث العنف، ولم تضبط الأوضاع المنفلتة، وما نقلته الصحف ومقاطع الفيديو خير شاهد.

اللوائح وحدها لا تردع حين تكون البيئة مهيأة للفوضى، فالتصريحات الرسمية التى تتحدث عن خفض الكثافات وبناء فصول جديدة تتصادم مع واقع يرويه أولياء أمور ومعلمون؛ فصول محدودة المساحة مكتظة بكتل بشرية.

قبل أيام، قال وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف بأن 90% من المدارس الحكومية تراجعت الكثافة فيها إلى 50 تلميذًا فى الفصل، وهو رقم يستحيل معه تحقيق الانضباط؛ فتكدس هذا العدد يضاعف من فرص الاحتكاك والمشاحنات التى تتحول مع الوقت إلى حوادث عنف قد تنتهى بجرائم.

لا يمكن فصل ظواهر العنف المدرسى عن الأوضاع الاقتصادية الخانقة التى تمر بها الأسر المصرية، فكلما زاد الفقر وتفاقمت الحاجة، تصاعد الضغط النفسى والاجتماعى على الأطفال والمراهقين، وهو ما ينعكس على سلوكهم داخل المدارس.

وإلى جانب الفقر، يشير خبراء التربية والاجتماع إلى أن الضغط الدراسى المفرط، وتأثر المراهقين بمشاهد العنف والبلطجة المنتشرة على منصات التواصل، ورغبتهم فى استنساخها لإثبات الذات، بعدما ضاقت مجالات التحقق الرياضى والثقافى والفنى لأسباب يعلمها الجميع، وهى كلها عوامل تغذى العنف.

كما أن نقص أعداد الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين وغياب برامج الرعاية السلوكية ضاعفا من معدلات العنف والتنمر والتحرش اللفظى والجسدى داخل المدارس، ما يستدعى إعادة الاعتبار لدور الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين كخط دفاع أول.

الأمر لا يتوقف عند الأسباب الاقتصادية والنفسية؛ فالبنية التحتية المتهالكة لبعض المدارس تعبِّر عن مأساة أخرى. حوادث سقوط طلاب من النوافذ والطوابق وانهيار السلالم فى العامين الماضيين ليست سوى دليل على إهمال أو نقص الموارد، لا تعالجه لائحة يوقع عليها ولى الأمر، بل خطة عاجلة لإصلاح وترميم المبانى التعليمية ومحاسبة المقصرين.

أما ما يجرى فى محيط المدارس من انتشار للباعة الجائلين، وتسكع المشردين، وبيع المواد المخدرة، وسباقات «الإسكوترات» التى انتشرت بشكل مخيف بين صفوف الأطفال والمراهقين، فيتطلب كل ذلك تنسيقا عاجلا بين وزارات التربية والتعليم والداخلية والإدارة المحلية والمحافظات، لإنقاذ أبنائنا من كوارث تتكرر يوميا أمام أعين الجميع.

لن يتبدل واقع مدارسنا، ولن تُحاصر ظواهر العنف بمجرد لائحة تُفرض على أولياء الأمور، المطلوب مكاشفة ومساءلة ومتابعة مستمرة، ووضع خطط قصيرة وطويلة الأجل لبناء مدارس جديدة وإصلاح القائم منها، وتعيين إخصائيين اجتماعيين ومرشدين نفسيين، وتكثيف الرقابة على محيط المدارس، وفوق كل ذلك تحسين الأحوال الاقتصادية للأسر المصرية، دون ذلك، ستظل لائحة الانضباط مجرد حبر على ورق، وتبقى مدارسنا مسرحا يوميا للعنف والفوضى.

محمد سعد عبدالحفيظ كاتب صحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين
التعليقات