لو أن الانتخابات فى مصر نزيهة ما جرؤ أحد فى الداخل أو الخارج على المطالبة بأى نوع من المراقبة الدولية.
ولذلك، ولأن الانتخابات فى مصر يشوبها الكثير من العوار وفقدان النزاهة، فإن حكومتنا ترفض بإصرار وعناد غريبين أى سيرة لحكاية الرقابة، لكنها وهى تفعل ذلك تسوق مبررات عجيبة وأحيانا كوميدية.
السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطنى، وفى حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الجمعة الماضى وصف دعوات المنادين بالرقابة الدولية للانتخابات بأنها «تطفل سياسى»، والتعبير الأخير يحتاج إلى شرح معمق وموسع من سيادة الأمين العام حتى نعرف كيف سيتطفل المراقبون علينا وما الذى نخشى أن يعرفه الآخرون.
الشريف كان يعلق على دعوات الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض بالمراقبة لكنه لم يشأ أن يذكر اسم أمريكا صراحة، وفضل أسلوب «التلقيح والمعايرة»، عندما قال نصا كما نقلت عنه الأهرام المسائى أمس الأول السبت «إن الحزب يطالب الذين يتدخلون فى الشأن الداخلى بأن يقيموا من أن أنفسهم ويبحثوا فى داخلهم عن إهدارهم لحقوق الإنسان بواسطة أبنائهم وما قاموا به من انتهاك لهذه الحقوق فى دول الغزو والاحتلال».
مبدئيا أتفق مع السيد الأمين العام فى توصيفه لأمريكا بأنها تهدر حقوق الإنسان بغزوها وبلطجتها فى العراق وأفغانستان ومناطق كثيرة فى العالم، والأهم بمساندتها اللا محدودة للكيان الصهيونى فى إسرائيل، لكنها أيضا تجرى انتخابات ديمقراطية وليتنا نقلدها فى ذلك وفى حريات التعبير لديها وفى تقدمها العلمى ولا نقلدها فى القمع وانتهاك حقوق الإنسان. أما فى المضمون فإذا كان الشريف والحزب الوطنى لا يريدان رقابة أمريكية فليوافقا على رقابة أوروبية أو آسيوية أو إفريقية أو من أى مكان.
يقول الشريف فى تصريحاته أن الحزب يرفض التصريحات والمحاولات المستفزة للمشاعر الوطنية.. ويحتار المرء حيرة كبرى ويسأل نفسه كيف عرف الشريف أن الكلام عن الرقابة مستفز لمشاعر المواطنين، أو السؤال بطريقة أخرى: أيهم أكثر استفزازا للمشاعر الوطنية، تزوير الانتخابات أم وجود نوع من المراقبة يضمن نزاهتها؟
ثم يصل الشريف إلى بيت القصيد عندما يقول إن «الحزب يثق ويرحب بمتابعة مؤسسات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام للانتخابات». إذن الأمين العام وحزبه لا يريدانها مراقبة، بل متابعة، أى مرحبا بكل من يأتى متفرجا متابعا وليس راصدا ومراقبا، والمؤكد أن المتابع لن يكون من حقه أن ينتقد أو يفضح أو يكشف أى عورات انتخابية.
يعلم السيد الشريف بحكم خبرته السياسية الطويلة أن هناك بلدانا كثيرة فى العالم منها أمريكا تتطوع وتطلب من منظمات دولية أن تأتى وتراقب انتخاباتها لأنها ترى فى ذلك شهادة ضمان وجودة بأن هذه الانتخابات سليمة ونزيهة فعلا. كما أن بلدانا كثيرة فى العالم تجرى فيها الانتخابات تحت إشراف الحزب الحاكم وتأتى النتائج لصالح المعارضة. ويعلم السيد الشريف أيضا أن الحكومات فى هذه البلدان (الغريبة) ليست خالدة بل تتغير وتأتى أحزاب أخرى مكانها.
أما فى مصر فنحن تقريبا من البلدان القليلة التى يمكن معرفة نتيجة انتخاباتها قبل إجرائها، مثلا هل يشك أحدكم فى أن الحزب الوطنى لن يحصل على أغلبية الثلثين فى مجلس الشعب المقبل؟!
لأجل كل ذلك، ينظر الحزب الحاكم إلى الدعوات الداخلية والخارجية بمراقبة الانتخابات باعتبارها رجسا من عمل الشيطان ينبغى اجتنابه بكل الطرق الممكنة.