حوار ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الإعلامى الأمريكى المعروف تاكر كارلسون مهم جدا وبه العديد من الإشارات والرسائل.
بالأمس تناولت بعض المعانى العامة والسريعة، واليوم سوف أركز على نقطة شديدة الأهمية وهى أن الحوار يكشف أن مقترح ترامب بتهجير أهالى وسكان قطاع غزة من أرضهم إلى الخارج لم يسقط كما تخيل معظمنا.
نتذكر أن ترامب طرح مقترحه العجائبى فى 29 يناير الماضى، بقوله إنه سوف يشترى أو يستولى أو يدير غزة وينشئ فيها «ريفيرا جديدة» على ساحل البحر المتوسط، بدلا من الأنقاض والدمار الموجود فيها الآن، ثم بدأ ترامب يتراجع شيئا فشيئا إلى أن قال مؤخرا إنه: لا أحد يريد طرد أحد من قطاع غزة.
البعض وأنا منهم اعتقد أن تصريح ترامب الأخير يعنى أنه تراجع عنه، خصوصا أنهم طلبوا بديلا له، فقدم المصريون والعرب بديلا عمليا تمثل فى «الخطة المصرية» التى تبنتها القمة العربية الطارئة الأخيرة يوم 4 مارس الماضى، ونالت موافقة جماعية من كل دول العالم تقريبا ما عدا حكومة إسرائيل، بل إن ويتكوف نفسه حينما قابل وزراء الخارجية العرب فى الدوحة، وصفها بأنها خطة أعدت بحسن نية وبها العديد من الأمور التى يمكن مناقشتها.
لكن كلام ويتكوف مع كارلسون لا يشير من قريب أو بعيد إلى أن مخطط التهجير قد سقط وانتهى. فهو يبتز مصر ويكذب بالقول إن لديها نسبة بطالة تصل إلى 45٪ وأزمة اقتصادية صعبة، وما لم يصرح به أن الأفضل لها أن تقبل تهجير الفلسطينيين إليها حتى تحل مشاكلها الاقتصادية، وهنا سوف نكتشف أن ويتكوف يعيد بفجاجة ترديد مزاعم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد قبل ثلاثة أسابيع مع أحد مراكز الأبحاث الأمريكية، الذى دعا مصر إلى قبول تهجير الفلسطينيين إليها، مقابل إلغاء كل ديونها الخارجية، ثم عاد قبل أيام ليتحدث عما أسماه ضرورة «مساعدة مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية». وهنا يتضح توزيع الأدوار غير المتقن بين واشنطن وتل أبيب!
نفس المنطق اتبعه ويتكوف مع الأردن مع إضافة أن عدد سكان الأردن قليل. وهنا أيضا نتذكر منطق التهديد والابتزاز الذى اتبعه ترامب حينما طرح مقترحه للمرة الأولى، حينما قال إن بلاده تقدم مساعدات كثيرة لمصر والأردن، من دون أن يشير إلى أن بلاده قدمت هذه المعونات بالأساس لتثبيت اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى، بل إن خبراء كثيرين يقولون إن الولايات المتحدة تستفيد من هذه المعونات ربما بصورة أكبر من الاستفادة المصرية.
كثيرون يقولون إن ترامب مطور عقارى ولا يؤمن بالمبادئ والقانون والمؤسسات الدولية، بل بمنطق الصفقات، ورغم أن ذلك صحيح إلى حد كبير، إلا أن كلام ويتكوف الأخير يشير إلى أن تصفية القضية الفلسطينية مسألة مركزية فى السياسة الأمريكية وأنها تحاول تطبيقها بكل السبل.
من الواضح أن «واشنطن الترامبية» تتبع أساليب الترهيب والترغيب فى هذه القضية. وليس خافيا أن ويتكوف شكر وأشاد بقادة بعض الحكومات التى تتعاون مع هذا المخطط، أو من يقدمون الدعم والاستثمارات للاقتصاد الأمريكى.
لا يمكننا أن نفصل كلام ويتكوف عما تفعله إسرائيل على الأرض، وبعد تصريحات إسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبوع الماضى بتهديد سكان غزة، ومطالبتهم بالرحيل، بدأت تل أبيب فى إنشاء إدارات لتشجيع هجرة الفلسطنيين طوعا وتخصيص مطار وميناء لهذا الصدد، وكذلك التواصل مع بعض الدول لاستقبال الفلسطينيين، والأخطر هو ما تفعله إسرائيل على الأرض فى غزة بإعادة إخلاء الفلسطينيين من بعض مناطق قطاع غزة، واحتلال مزيد من الأرض الفلسطينية فى القطاع، ومصادقة الكنيست على ضم 7 مستوطنات جديدة فى الضفة وكلام المتطرف بتسليل سموتريتش أن ذلك فى إطار ضم الضفة بصفة رسمية.
ختاما أعتقد أنه من الخطأ الفادح أن يتم التعامل مع تصريحات ويتكوف بسطحية والاكتفاء بالهجوم عليه. مثل هذا النوع من الكتابات أخطر على مصر من بعض أعدائها.
الأصح أن نناقش ونفهم ونحلل أهداف هذه التصريحات ومراميها خصوصا أن ويتكوف يتحدث بلسان ترامب وصار أهم مسئول تقريبا فى إدارته خصوصا ملفى الشرق الأوسط وأوكرانيا. أقول ذلك حتى يمكننا التعامل مع هذه التصريحات بصورة سليمة. أما منطق الشتائم فقط فلن يغير من الأمر شيئا بل قد يكون ضرره أكثر من نفعه..