كيف نفهم كلام ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط فى حواره شديد الأهمية مع الإعلامى الأمريكى المعروف تاكر كارلسون؟
كلام ويتكوف متداخل ومربك وشديد الغموض حينا وشديد السفور حينًا آخر. ويمكن لكل طرف أو جماعة أو دولة أن تفسره بالطريقة التى تروق لها. بل واقتطاع كلمات وعبارات وأفكار من سياقها للتدليل على توقعات معينة فى المستقبل، وهو ما فعله بفجاجة شديدة العديد من المواقع العربية المشبوهة التى تتلقف أى عبارة من هنا أو هناك للإساءة إلى مصر بكل الطرق.
ومن الواضح أن ويتكوف يتحدث بنفس منهج رئيسه ترامب الذى يقول كل شىء وعكسه، ونتذكر أن ترامب طالب يوم 29 يناير بتهجير كل الفلسطينيين من أرضهم فى قطاع غزة، ثم عاد قبل أسبوعين للقول: «إنه لا أحد سيطرد أحدا من غزة».
لكن خطورة كلام ويتكوف أنه يمهد بالإعلام العديد من نوايا الإدارة الأمريكية خصوصا تجاه المنطقة العربية.
وما فهمته بصفة عامة من هذا الحوار الطويل هو أن إدارة ترامب متماهية بصفة كاملة فى محاولة تطبيق الخطط والمشاريع الإسرائيلية وجوهرها تهجير أكبر قدر من الفلسطينيين من الضفة وغزة وتصفية القضية الفلسطينية وترغيب كل دولة توافق على هذا التصور ومعاقبة وتهديد أى دولة تعارضه.
هو يفترى على مصر ويكذب بقوله إن نسبة البطالة فيها تصل إلى 45٪ والخطر هنا ليس كذبه عن جهل، بل تعمده الكذب للإيحاء بأشياء أخرى. فمثلا كان يمكنه أن يطلب معدل البطالة الفعلى أو حتى النسبى من العديد من الإدارات الأمريكية أو حتى من صندوق النقد.
والدلالة التى انتبه لها كثيرون أن كلامه دليل واضح على أن مصر رفضت كل الإغراءات والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية بتصفية القضية الفلسطينية.
لا أحد ينكر وجود أزمة اقتصادية فى مصر، لكن مؤسسات التمويل الدولية خصوصا صندوق النقد والبنك الدوليين يتحدثان بصورة دورية عن أن مصر تسير بخطى جيدة إلى حد كبير فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، والسؤال هنا: هل نصدق ويتكوف أم هذه المؤسسات وهى تهيمن عليها أمريكا إلى حد كبير أيضا؟!
لا أحد ينكر وجود تأثيرات سلبية كثيرة للعدوان الإسرائيلى على الداخل فى غالبية الدول العربية والإسلامية، خصوصا دول الجوار، لكن ما لم يدركه ويتكوف بوضوح هو أن هذا الداخل صار يعارض السياسات الأمريكية بشكل كبير، ناهيك عن العداء الواضح للسياسات الإسرائيلية وبالتالى فإن المتضرر الأكبر من العدوان ليس فقط الحكومات والأنظمة، ولكن بالأساس أمريكا وإسرائيل.
والخلاصة هنا أن محاولات أمريكا فرض التطبيع على الدول العربية من دون حل القضية الفلسطينية لن تمر، وحتى إذا تم فرض معاهدات أو اتفاقيات فمصيرها إلى زوال. ستحاول أمريكا بكل الطرق أن تفرض التطبيع على سوريا ولبنان، لكن السؤال هو عن مدى صمود مثل هذا التطبيع القسرى شعبيا. لكن الأكثر لفتا للنظر حديثه الإيجابى جدا عن أحمد الشرع أو «أبو محمد الجولانى» بأنه تغير إلى حد كبير وصار غير معارض لإسرائيل. وهنا لا يمكن فصل كلامه عن سوريا والجولانى بكلامه عن تركيا وهى الراعى الرسمى للشرع ونظامه.
هو قال نصا: «ترامب يحظى بعلاقة خاصة جدا مع أردوغان وستكون هذه العلاقة رأس مال مهما جدا، وهناك الكثير من الأخبار الإيجابية والخير القادم من تركيا، وسوف نسمع عن ذلك فى الصحافة خلال الفترة المقبلة».
أما كلام ويتكوف عن إيران وخلاصته أنه لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووى فهو طبيعى ومنطقى ويتماشى مع السياسة الأمريكية التى تكرره بصورة شبه يومية.
جوهر حوار ويتكوف أنه يقدم لنا رؤية السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بمنطقتنا، وهى لا تختلف كثيرا عن رؤية بنيامين نتنياهو وائتلافه المتطرف.
هم يريدون تطبيق المشروع الصهيونى القديم، ولكن بأسلوب مكشوف وفج وبالقوة، بعد أن حاولوا ذلك كثيرا خلال العقود الماضية.
ظنى أنه مطلوب من كل الدول العربية المعنية أن تقرأ بهدوء كلام ويتكوف والرسائل الغامضة والسافرة داخله وأن تسعى بكل الطرق إلى الاستعداد للأيام والأسابيع والشهور المقبلة، فمن الواضح أنها شديدة الصعوبة.