أعداد/ أيمن أبو العلا
البرازيل تدخل فى مرحلة حرجة
كتب باولو سوتيرو مدير معهد البرازيل فى مركز وودرو ويلسون الدولى للباحثين، تحليلا لموجة التظاهرات التى أصابت البرازيل مؤخرا، نشر على الموقع الإلكترونى للمركز تحت عنوان «احتجاجات البرازيل تنتشر وتدخل مرحلة حرجة». ونعرض لكم هذا الموضوع إيمانا منا بضرورة أن تشمل كتاباتنا ما يحدث فى البرازيل من أحداث خصوصا بعد الإعلان الرسمى للحكومة المصرية رغبتها فى الانضمام إلى دول البريكس، هذا بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة التى تجمعنا مع دول الميركوسور.
يرى الكاتب أنه على الرغم من التشابه الموجود بين حالة التظاهر التى وجدت فى ميدان التحرير بمصر أو ميدان تقسيم فى تركيا وحالة التظاهر الموجودة فى البرازيل الآن، فإن هذه الأخيرة لا تهدف إلى إسقاط حكومة مستبدة. فالبرازيليون بعدما ذاقوا وأعجبوا بثمار نحو عقدين من الديمقراطية والاستقرار الاقتصادى، يطالبون الآن بالمزيد من الديمقراطية وبعض الإصلاحات فى الأمور الاقتصادية المتعلقة بحياة الناس مثل طلبهم بتوفير وسائل لائقة للنقل العام. وفى تلك التظاهرات قام المتظاهرون بالتأكيد على حقهم المدنى المقدس فى التعبير عن رأيهم بحرية، فى الوقت الذى قامت به شرطة ساوباولو باستعراض للقوة لا لزوم له. وقد أثبت المتظاهرون أنهم ليسوا بحاجة للأحزاب السياسية لكى يعبروا عن آرائهم بحرية، حيث استخدموا مواقع التواصل الاجتماعى لتنظيم مطالبهم والتعبير عنها. ويطالب الشباب الذين يشكلون معظم الطبقة الوسطى فى البرازيل بتنمية اقتصادية يحظون فيها بحصة عادلة تقرب الفروقات الموجودة بين طبقات المجتمع.
المظاهرات فى تركيا ليس لها قائد معين ولها مطالب عديدة ظهرت واضحة فى المظاهرات التى ضمت 230 ألف شخص احتشدوا فى الشوارع يوم الاثنين الماضى. ويرى الكاتب أن معارضة زيادة رسوم ركوب الحافلات فى المدينة والتى أشعلت المظاهرات إنما تعكس سخط البرازيليين إزاء رداءة وسائل النقل العام فى المدن الكبرى وبطء تحسن الخدمات بشكل عام. فالمتظاهرون يقولون، إذا كانت البرازيل سادس أو سابع أكبر اقتصاد فى العالم، كما يحب السياسيون فى البرازيل قول ذلك، فلماذا لا يزال على البرازيليين تحمل قضاء ما يتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات يوميا فى وسائل النقل العام المكتظة فى طرق برازيلية تعانى من الزحام.
وينتقد المتظاهرون أيضا إنفاق الحكومة مئات الملايين من الدولارات من أجل بناء وتجديد ملاعب كرة القدم استعدادا لنهائيات كأس العالم 2014، ويعتبرون ذلك إسرافا من الحكومة وإهدارا للمال العام، فهم لا تعجبهم فكرة أن يكون هذا على أعلى قائمة أولويات الحكومة. وعلى المستوى السياسى، يتفق المتظاهرون فى رفضهم لنظام سياسى يرونه غير تمثيلى وغير فعال. وخلال المسيرات أحبط المشاركون محاولات عدد من قادة الأحزاب الصغيرة للإدلاء ببيانات، ولم يكن مسموحا برفع لافتات الأحزاب. وقد نبه الرئيسان السابقان لولا دا سيلفا وفرناندو إنريك كردوسو وهم من أكثر الساسة البرازيليين كفاءة وإنجازا خلال ربع القرن الماضى، قادة البلاد إلى ضرورة الاستماع إلى المتظاهرين وتفهم مطالبهم.
فى الختام يقول الكاتب إن الرئيسة ديلما فطنت إلى رسالة الرئيسين السابقين فقد صرحت يوم الثلاثاء الماضى بأن البرازيل أصبحت أقوى بسبب المظاهرات وممارسة حرية التعبير فيها. إلا أنه ينبغى ألا تكتفى الرئيسة بالخطب البلاغية وحدها حيث لم تعد تصلح، ويجب عليها إذن أن تمضى قدما فى تنفيذ أجندة لاحقة للإصلاح الاقتصادى.
لماذا يتظاهر البرازيليون؟
تحليل آخر لمشهد الاحتجاجات البرازيلية، هو تحليل لجون جاك كورليانسكى الباحث بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس نشر بعنوان «لماذا يتظاهر البرازيليون؟» على الموقع الإلكترونى للمعهد. وتناول هذا التحليل بتفصيل أكثر الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة باندلاع التظاهرات، وطبيعة العنف المستخدم فيها، وتنظيم المونديال كسبب من أسباب التظاهرات الحالية.
يقول الباحث إن التظاهرات جاءت فى مرحلة صعبة يعانى منه النمو الاقتصادى من انخفاض حاد، فالنمو المتوقع هذا العام أقل قليلا من نصف النمو الذى حققه اقتصاد البرازيل منذ عامين. والمشكلة أن هذا النقصان فى النمو أتى يصحبه تضخم حاد يؤثر على الحياة اليومية للطبقات الفقيرة فى البرازيل. وهذا الأمر يفسر خروج الكثيرين للتظاهر عندما أعلنت الحكومة زيادة قدرها 10% فقط على المواصلات، فهذه الزيادة تضاف إلى التضخم الموجود بالفعل فى البرازيل. ويضيف إنه فى السباق الموجود بين الأسعار والرواتب فإن هذه الأخيرة تحاول بصعوبة اللحاق بالأسعار. الأشخاص إذا خرجوا بطريقة تلقائية فى الشوارع، أولا فى ساوباولو الأربعاء قبل الماضى، ثم توسعت التظاهرات تدريجيا فى باقى أنحاء البلاد كما رأينا فى الأيام الماضية.
وإذا نظرنا فى قائمة أسباب هذه الاحتجاجات سنجد على رأسها وجود حالة من عدم العدالة الاجتماعية الشديدة فى البرازيل، فالحد الأدنى للأجور يتراوح بين 230 و240 يورو شهريا (2146 و2239 جنيها مصريا) فى الوقت الذى يكون فيه ثمن تذكرة المواصلات هو نفسه الموجود فى فرنسا (ثمن التذكرة فى فرنسا نحو 1.70 يورو، نحو 15 جنيها مصريا)، وهذا معناه أن جزءا كبيرا من دخل البرازيليين يذهب كثمن للمواصلات. فى مدينة كبيرة مثل ساوباولو يسكن فيها نحو 11 مليون شخص، يقدر عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل المواصلات العامة يوميا نحو 4.5 مليون شخص. وهكذا يمكننا أن نستنتج الأثر الذى يمكن أن يحدثه ارتفاع ثمن المواصلات على الحياة اليومية للمواطنين.
وبالنسبة لطبيعة العنف المستخدم فى التظاهرات يقول الباحث إن أعمال العنف الأولى فى ساوباولو كانت نتيجة للتعامل العنيف لشرطة ساوباولو. هذا مع العلم أن البرازيل دولة فيدرالية، وبالتالى فإن تصرف الشرطة كان مبنيا على أوامر هيراركية. محافظ ساوباولو عامل المتظاهرين على أنهم مخربون، وبالتالى طالب الشرطة بفعل كل ما يلزم لتحرير الشوارع منهم. لكن من جانب آخر نجد مصدرا آخر لهذا العنف، ففى ريو دى جانيرو كانت هناك مظاهرة سلمية عند البرلمان المحلى للمدينة ولكن كما هو حال مثل تلك المظاهرات انقلب الأمر إلى أعمال شغب وعنف.
أما عن علاقة تنظيم المونديال بالمظاهرات الحالية فيقول الباحث إن هناك جانبين لتلك العلاقة؛ أولا البرازيليون يواجهون مشكلات تضخم وارتفاع أسعار الحياة اليومية ويلاحظون فى نفس الوقت أن الحكومة تركز أولوياتها على بناء أو تطوير الاستادات الرياضية التى لن يشعروا بفائدتها فى الوقت القصير فى أنهم يشعرون يوميا بفائدة حافلات النقل العام والمترو. العامل الآخر هو ارتفاع سعر تذاكر المباريات مما صعب على المواطنين فرصة الذهاب إلى المدرجات ومشاهدة المباريات، وهو الأمر الذى أدى إلى شعور المواطنين بالاستياء والسخط أكثر على السياسة الرياضية للحكومة.
وفى الختام نستطيع أن نقول إن الجانب المشترك للمظاهرات البرازيلية مع مظاهرات تركيا وإسبانيا وتونس ومصر، هو الحشد عن طريق الإنترنت والإعلام، وهو ما أدى إلى وصول المظاهرات التى بدأت ببضع مئات من المتظاهرين إلى 200000 متظاهر مرشحة للزيادة.