صباح أمس الأول الأربعاء كنت أتحدث مع زميل صحفى كبير هاتفيا، أثناء المحادثة قلت له: «تخيل الهمج اقتحموا مكتب قناة الجزيرة مباشر مصر فى ميدان التحرير، وهاجموه بزجاجات المولوتوف وأحرقوه ونهبوا بعض محتوياته».
الزميل صدمنى برده حينما قال: «احسن.. يستاهلوا، عشان يبطلوا يطبلوا للإخوان».
الذى صدمنى أكثر أن رأى الزميل لم يكن فرديا لأننى وطوال اليوم سمعت ردودا مماثلة ولكن بعبارات مختلفة من قبيل أن قطر تدعم الإخوان، وتحاول الهيمنة على مصر وتشويهها، وتحارب الثوار.. إلى آخر قائمة الاتهامات الموجهة لقطر ولقناتها الفضائية.
سألت الزميل الذى فرح لاحتراق مكتب الجزيرة: «افترض أن قناة الجزيرة غير موجودة بالمرة سواء فى مصر أو الدوحة، وأن كل الفضائيات الخارجية غير موجودة أيضا، لكن هناك قناة فضائية مصرية واحدة تبث رأيا مخالفا لك أو لمجموعة من الناس، فهل الحل الوحيد أن تهاجمها وتحرقها أم ترد عليها بالرأى والحجة أو حتى اللجوء إلى القضاء؟!.
لم يقتنع الزميل كثيرا فسألته سؤالا أكثر مباشرة وهو: تخيل أن مجموعة من القراء المعارضين للخط السياسى للجريدة التى تعمل بها قد هاجموا المقر وحرقوه فماذا ستفعل؟!.
رد فورا :سأدافع عن المقر بكل ما أملك وسنلجأ إلى القضاء والى كل وسيلة توقف الهجوم.
المقر عبارة عن حجرة صغيرة جدا بها الاستديو وممر صغير فى شقة وطرقة مملوكة لصحيفة مصرية يومية قومية.. وباقى الشقة مخصص لموظفى هذه الصحيفة...الذين حرقوا المقر كانوا يعرفون ماذا يفعلون لأنهم توجهوا مباشرة إلى الاستديو وحرقوه.
فى نفس الوقت الذى حدث فيه الهجوم كان الطيران الصهيونى قد قصف مقارا لصحف ووكالات أنباء وفضائيات كثيرة فى غزة على مدى أيام العدوان الذى تعرض له القطاع لمدة ثمانية أيام.
تذكرت هذا الأمر وتذكرت كيف أن العدوان الأمريكى على العراق استهدف أول ما استهدف الإعلام الحر الذى حاول فضح العدوان وراح ضحية ذلك صحفيون عرب شرفاء كثيرون.
لنختلف مع «الجزيرة» أو «العربية» أو أى محطة أخرى كما نشاء لكن بالكلمة والحجة.. وإذا قبلنا منطق الهجوم فسوف نفتح على أنفسنا أبواب جهنم فعلا.
«الجزيرة مباشر» تبث أخبارا وتحقيقات وتقارير وحوارات، إذا اختلف بعضنا معها وله كل الحق فى ذلك فليرد بمادة مماثلة وليس بالمولوتوف.
إذا قبلنا هذا العمل الهمجى ضد «الجزيرة» لأنها تؤيد الإخوان، فسوف نجد «مجانين» آخرين يهاجمون غدا بعض الفضائيات المصرية الخاصة ومعظمها معارض للإخوان، ووقتها لن يجرؤ أحدنا على انتقادهم، على قاعدة «لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض».
«الجزيرة» و«العربية» وفضائيات أخرى كثيرة تعرضت لهجمات واعتداءات متنوعة أثناء أحداث ثورة 25 يناير من قبل بلطجية محسوبين على نظام حسنى مبارك وحبيب العادلى ولم يتحرك أحد لإجراء تحقيق جدى، لكن أن يتكرر ذلك الآن فهو أمر غريب وغير مفهوم.
فى الماضى كنا نقول إن بعض الأجهزة تتستر على هؤلاء البلطجية، فماذا نقول الآن؟!.
جيد أن يأمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بسرعة التحقيق، وجيد أن تعلن وزارة الداخلية أنها حددت هوية بعض المهاجمين.. لكن الكارثة أن تمر هذه الحادثة مثلما مرت سابقاتها حتى نستيقظ على هجوم جديد على وسيلة إعلام أخرى ثم نعيد نفس عبارات الشجب والاستنكار.
تحية تقدير لكل الزملاء المهنيين فى الجزيرة وأخواتها وسائر الفضائيات ووسائل الإعلام على ما يتحملوه لأداء عملهم فى هذا المناخ المحتقن.