ساعة ونصف الساعة مع بريجنسكى - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساعة ونصف الساعة مع بريجنسكى

نشر فى : الأحد 25 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 25 مارس 2012 - 8:00 ص

ولد زبينيو بريجنسكى فى نفس العام الذى شهد مولد الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك 1928. وفى عام 1981 أنهى بريجنسكى وعمره 53 عاما عمله كمسئول حكومى، فى الوقت الذى بدأ فيه مبارك ممارسة مهامه الرئاسية.

 

وجمعنى الأسبوع الماضى لقاء مع بريجنسكى، وهو لم يعد مسئولا أمريكيا سابقا رفيعا فقط،  بل هو مفكر استراتيجى من طراز فريد، ويعمل حاليا مستشارا فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، وأستاذا للسياسة الخارجية الأمريكية فى جامعة جون هوبكنز المرموقة، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1953.

 

خلال عمله بين عامى 1977ــ 1981 مع الرئيس جيمى كارتر كمستشار للأمن القومى، وساهم فى صنع السياسة الأمريكية تجاه قضايا عالمية مهمة، وقضايا شرق أوسطية مصيرية ما زالت تؤثر على حياتنا اليومية حتى الآن.

 

قبل اللقاء توقعت أن يكون الرجل البالغ من العمر 84 عاما بعيدا عن أحداث اليوم، وتوقعته منفصلا عما وصل إليه العالم من حراك وديناميكيات متجددة بسبب ثورة الشبكات الاجتماعية التكنولوجية، وتوقعته قادما من جيل قديم لا يعى معنى ثورات الشعوب العربية الجارية الآن. إلا أن الرجل أثبت خطأ توقعاتى كلها، وكان حاضرا وقارئا مطلعا بصورة يندر أن نراها مع من هم فى سبعينيات وثمانينيات العمر فى منطقتنا العربية.

 

وخلال سنوات عمله كمسئول أمريكى مهم، امتلأ سجل بريجنسكى بالعديد من الإنجازات وتعرض للقليل من الإخفاقات. أشرف بنفسه على تفاصيل مفاوضات معاهدة تخفيض الأسلحة النووية مع الاتحاد السوفيتى المعروفة باسم سولت 2، وقام بجهود غير عادية لتطبيع العلاقات الصينية الأمريكية، إلا أن أهم بصماته بقيت فى مجال سياسات الشرق الأوسط. وكان بريجنسكى أحد أهم مهندسى تحالف واشنطن مع المجاهدين الأفغان من أجل دفع الاتحاد السوفيتى للانسحاب من أفغانستان. كما خطط لتوصيل أسلحة مصرية وسعودية وباكستانية، إضافة لمقاتلين عرب، لداخل أفغانستان من أجل هزيمة الجيش السوفيتى وإذلاله، وله صورة شهيرة مع قادة المجاهدين حيث وصفهم بأنهم مقاتلون من أجل الحرية من فوق دبابة سوفيتية. لذا لم تكن مفاجأة أن ينال قسطا كبيرا من اللوم عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة بأيدى جماعات ساهم برجينسكى شخصيا فى رعايتها وتمويلها وتسليحها يوما ما.

 

ومن أهم إخفاقات فترة خدمته فى البيت الأبيض كان حدوث ونجاح الثورة الإيرانية، وكان التوصل لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية هو الحدث الأكثر بريقا فى سيرته الذاتية.

 

وعلى العكس من رجال السياسة فى مصر، اختار بريجنسكى أن ينهى العمل العام ويتوقف عن السعى لتقلد المناصب الحكومية وعمره 53 عاما فقط، ولم يكن معنى ذلك انتهاء عطائه للسياسة الأمريكية. فقد منحته حرية البعد عن المناصب الرسمية أن يعرض لأفكاره وتساؤلاته بصورة نقدية موضوعية بما يصب فى خدمة المصالح الأمريكية العليا. 

 

حذر بريجنسكى الرئيس السابق جورج بوش الابن صراحة من غزو العراق. وذكر أن الانطباع الذى ساد العالم فى مرحلة التسعينيات بالتفوق العسكرى الأمريكى بعد الانتصار فى الحرب الباردة سيبدأ فى التحطم على صخور الفشل فى العراق. ويرى أن اكتمال التراجع الأمريكى بدأ فعليا مع حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. أما عن انتقال مركز الثقل الدولى من الغرب إلى الشرق فيراه بريجنسكى واقعا لا محالة. إلا أنه يرى أن ثقة الصينيين بأنفسهم وقدراتهم فى غير محلها، فهو يعتقد أن الصين غير مستعدة ولن تكون جاهزة قريبا لتبوُّء مسئوليات القوى العالمية الكبرى، ويرى أنه ما زال هناك الكثير أمام الصين لكى تتعامل وتبدو كقوة عالمية كبرى. وأشار بريجنسكى إلى ما ذكره له زعيم صينى قابله مؤخرا: «لا تنحدروا بسرعة كبيرة، فهذا ليس شيئا جيدا للصين الآن!».

 

وانتقد بريجنسكى بصورة حادة استمرار جهل الشعب الأمريكى بقضايا السياسة الخارجية. وأستشهد على ذلك بمثالين الأول هو اضمحلال تناول القضايا الخارجية فى مناظرات مرشحى الرئاسة من الحزب الجمهورى. وصنف المرشحين لنوعين، إما مجانين يجهلون هذه القضايا، أو أنهم يقولوا ما يريد الناخب الجمهورى أن يسمعه فقط. والمثال الثانى يتعلق بوجود أكثر من نصف سكان بعض الولايات يعتقدون أن الرئيس باراك أوباما مسلم الديانة، ويرى أنهم فقط يخجلون من وصفه بأنه رئيس أسود، لذا فيوصف بما بات مقبولا للأسف! ويؤكد بريجنسكى أن هذا الجهل يهدد القوة الأمريكية.

 

ورغم إعجابه بالرئيس أوباما، فإنه انتقده إذ يراه لم يعط قضايا السياسة الخارجية حقها من الاهتمام. واستشهد على ذلك بأن أوباما ألقى أربع خطب رئيسية عن السياسة الدولية لم يكن أى منها داخل الولايات المتحدة بل كانت فى إسطنبول والقاهرة وبراج وبرلين.

 

ويعارض بريجنسكى بشدة أى خطط لضرب إيران. ويرى أن مثل هذه الحرب ستشعل الشرق الأوسط بأعمال عنف وحروب من البحر المتوسط إلى أفغانستان وباكستان.

 

ومنذ تخليه عن المناصب، أصدر بريجنسكى عشرة كتب كان آخرها منذ شهرين بعنوان «رؤية استراتيجية ــ أمريكا وأزمة القوة العالمية» تناول فيه دور أمريكا الأساسى فى تحقيق التوازن العالمى، كما قدم أيضا نظرة استراتيجية بعيدة المدى للنظام العالمى وتصاعد النفوذ الصينى فيه.

 

وعندما سألته عن مصر وفوز القوى الإسلامية وتوقعاته لمستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، رد حازما بأنه ليس هناك ما نستند إليه فى طبيعة تعامل واشنطن المستقبلى مع مصر الإسلامية. واشنطن لها علاقات متنوعة مع النظم الإسلامية، فهناك تحالف مستقر مع الحكومة السعودية الوهابية، ولنا عداء كبير مع نظام الملالى الإيرانى، والدولتان من أهم النظم الإسلامية فى العالم. لذا فهو يرى أن العلاقات مع مصر لا يمكن التنبؤ بها، إلا أنه يبدو مشجعا للانفتاح الأمريكى على جماعة الإخوان المسلمين.

 

لو صمم بريجنسكى أن يستمر فى تبوُّء المناصب الحكومية لكثرت إخفاقاته، لفقد مصداقيته، ولم يكن ليجذب الكثيرين حول العالم للاستماع له حين يتكلم. يقدم بريجنسكى درسا عمليا قيما للساسة المصريين ممن يبتغون من الرئاسة منصبا وهم فى سبعينات العمر. يمكنكم العطاء للأجيال القادمة ولمصر إن أردتم على أصعدة عديدة لا ترتبط بمناصب حكومية. الزمان ليس زمانكم، ولتتذكروا أن قادة بريطانيا وأمريكا لم يبلغوا الخمسين من العمر.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات