نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تعرض فيه الطرق الجديدة المتبعة من قبل الشباب الفلسطينيين لعرض قضيتهم والتعبير عنها وعما يواجهونه من مظالم... نعرض منه ما يلى.
إنّ المتابع للجرائم الإسرائيليّة المرتكبة بحقّ الفلسطينيين/ات لا يسعه إلاّ أن يعترف بالتحوّلات الطارئة على مستوى أشكال الوعى والتفاعل والتواصل والمقاومة التى اختارها هذا الجيل الجديد. إنّه جيل ما عاد يؤمن باتفاقيات السلام التى تُعقد على حساب مصالح الفلسطينيين، وما عاد يقتنع بإمكانية إصلاح النظام الصهيونى. ولاشكّ أنّ هذا الجيل قد استفاد من الحركات العابرة للثقافات والقوميات، وخاصّة من حركة حياة السود مهمّة Black Lives Matter التى ندّدت بالمواقف التى تفتقر إلى الانسجام الداخلى وتهرب من تحمّل المسئوليّة الأخلاقيّة كما أنّها اعتبرت أنّه لا إمكانيّة لإصلاح المؤسسات العنصريّة، وعلى رأسها جهاز الأمن (الشرطة).
لا خيار، فى نظر هذا الجيل الثورى سوى الصمود والمقاومة والضغط من أجل إيقاف الاستيطان/الاستعمار والتدمير الممنهج والاعتراف بالمظالم التاريخيّة التى ارتكبت بحقّ الفلسطينيين ثمّ البحث عن أطر جديدة للتسوية المنصفة. ولذا فإنّ هذا الجيل لا يتوانى عن فضح سياسة «الكيل بمكيالين» والمواقف الدالة على التذبذب وعدم الانسجام والتناقض. فأن تعترف بضرورة وقف عمليّات انتهاك حقوق الفلسطينيين معناه بالضرورة، التصريح بملء الفمّ بأنّ دولة إسرائيل دولة عنصريّة تريد إبادة الفلسطينيين، وأنّ نقد سياسات إسرائيل الغاشمة لا يعدّ معاداة للسامية.
تتجدّد أشكال الحضور وتتنوّع الفاعليّة فى انتفاضة مايو 2021، ومع تجدّدها تُخاض المعارك الإعلاميّة واللغويّة. فأشكال التنكيل بالمحتجّين والمحتجّات تواجه بنشر مكثّف لصور المقدسيات اللواتى يتمّ سحلهنّ وجرهنّ من شعورهنّ، وتركيعهنّ تحت أقدام الجنود فى محاولة لإذلالهنّ، وإذلال الرجال. وتكمن بلاغة هذه الصور المتعدّدة فى اختيار أشكال تعبيريّة جديدة تستفزّ المشاهدين/ات فى كلّ أنحاء العالم. فبالابتسامة والضحك تواجه الشابات والفتيات والنساء والشبّان اعتداء الجنود. وشتّان بين التعبير عن القهر والقمع بالنحيب والبكاء الذى يذكّرنا بطقس التباكى أمام الحائط وأمام شاشات الكاميرا، وبين اختيار الابتسامة والضحك وسيلة للتعبير عن الصمود والسخرية من أولئك الذين يزعمون أنّهم ديمقراطيون، ومدافعون عن الحقوق والحريات، ومن التيارات النسويّة (فى ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكيّة...) التى تناهض العنف ضدّ النساء، وتتعامى عن العنف المسلّط على الشابّات والفتيات والنساء فى فلسطين.
ينشر الناشطون/ات الفلسطينيون صور الجموع الخارجة من تحت الأنقاض وبعد القصف والدمار ولكنّهم يتعمّدون اختيار زاوية جديدة للتحديق. إنّها صور رضيعات يبتسمن للحياة وفتيات مبتهجات بإشراق الصباح، وعشاّق يلتقون بعد ساعات من الرعب، وطفل يردّد أغنية راب بالإنجليزية تفضح ما يجرى على أرض الميدان، وصغيرة تخاطب الجنود بلغة إنجليزية (Go from my land) «ارحل عن أرضى»... إنّها كيفيات أخرى للحضور والفعل والقول تعلن أنّ الفلسطينيين/ات لايزالون قادرين على الحلم والتخييل والسرد واستشراف المستقبل، وهم لا ينتظرون دهشة الناظرين أو صدمتهم... إنّهم يبعثون رسائل تُشعر الآخر حتما بالخزى والعار.
والظاهر أنّ عصر نظم القصائد العصماء لدرويش ونزار... قد ولّى. فنحن إزاء جيل يعتبر أنّ اللغة قضيّة سياسيّة، وهى ساحة أخرى للمعركة، ولذا فإنّه يتواصل بالإنجليزية ليردّ عن الحملات المضللة، ويبتكر لغة تواصل تربك نظام فايسبوك، وانستجرام الهيمنى، والمناصر لإسرائيل ذاك الذى حجب ومنع وعاقب المناصرين للقضيّة العادلة. إنّها لغة تستحضر طريقة قديمة فى كتابة لغة الضاد لا تعتمد التنقيط (عاشت فلسطين حرّة ــ عاس ــ فلسط ــ حرة) وتستعمل الحروف والرموز واللهجات المحليّة فتنفلت من المراقبة والعقاب. وهى خطابات قصيرة تسمّى الأشياء بمسمياتها فلا وجود لتوتّر أو صراع بين حماس واليهود، بل هى حرب لا متكافئة بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل: القوّة الغاشمة والنظام العنصرى، إنّه استعمار، ومستعمرون، وإرهاب دولة وتطهير عرقى وجريمة حرب... إنّ اللغة كيفيّة لقول العالم وتعبير عن الوجود.
الفاعلون الجدد أحرار لا يهابون الموت فلا شىء لديهم ليخسروه: لا أطماع ولا مصالح ولا حسابات ضيّقة ولا دبلوماسية انتهازيّة ولذلك فإنّهم يتقنون مهارة الفعل فى الواقع ويثبتون مع كلّ يوم أنّهم/نّ يقاربون قضيّتهم من منظور إنسانى وحقوقى فعلى يعتمد النشاطيّة المعولمة Global Activism حيث تتشابك الحركات الثوريّة النضالية المناهضة للقمع وبنى الهيمنة، وتتقاطع النضالات: حركات التحرّر، السود والسمر، السكّان الأصليون، والمهاجرون، والهويّات اللامعياريّة وغيرها.
إنّ حياة الفلسطينينن/ات مهمّة.