هل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ لاتزال مؤثرة أم انتهت للأبد، وهل هى جيدة أم سيئة، وهل ينبغى أن نتمسك بمبادئها أم ننساها تماما إذا أردنا التقدم والنظر للأمام؟
هذه الأسئلة بصياغات مختلفة نقرَؤها فى كل ذكرى للثورة، وهى أسئلة تلقيتها من زملاء ومن وسائل إعلام متعددة خلال الأيام الماضية، ونحن نحتفل بالعيد السبعين لهذه الثورة.
رأيى المتواضع أن مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالقضايا الكبرى ينبغى التعامل معها بحذر وبهدوء وبصورة موضوعية قدر الإمكان وليس على طريقة أبيض وأسود.
فيما يتعلق بأهمية الثورة فتلك حقيقة مؤكدة والدليل أننا لانزال نحتفل بها، ولاتزال هى العيد الوطنى لمصر.
من الطبيعى أن يكون موقف كل شخص من قضية كبرى مثل ثورة يوليو يتحدد إما على أساس الوعى، وإما على أساس المصلحة الشخصية أو الطبقية إضافة لعوامل أخرى مختلفة.
والمواطن العادى يجيب عن هذا السؤال بسؤال آخر وهو: «هل هذه الثورة أو تلك أفادتنى وأفادت أسرتى وأهلى أم لا؟». العامل الثانى هو الوعى، بمعنى أن هناك قلة من الناس قد تتضرر مصالحها من قيام إحدى الثورات، لكنه يؤيدها لأن وعيه أكثر نضجا وتقدما، كما فعل مثلا أحد نبيل الهلالى ابن الباشوات وابن آخر رئيس للوزراء قبل ثورة يوليو، حينما أيد الثورة رغم أنها أضرت بأسرته وعائلته.
تقديرى أن ثورة يوليو كانت مهمة وحتمية وضرورية بسبب الأوضاع التى سبقتها.
كان هناك احتلال إنجليزى من سنة ١٨٨٢، يرفض الجلاء ويماطل بكل الطرق ويعين الحكومات ويقيلها، ويعادى الأحزاب الوطنية مثل الوفد، ويجبر الملك على إقالة وزارة وتعيين أخرى، كما فعل مع حكومة النحاس عام ١٩٤٢.
ومع وجود الاحتلال الأجنبى لا يصح لعاقل أن يتحدث بجدية عن حياة سياسية سليمة.
كانت هناك حياة سياسية شكلية إلى حد كبير، والدليل أن البرلمان تم حله أكثر من مرة، ودستور 23 تم إطاحته، وحزب الشعب «الوفد» لم يمكث فى السلطة إلا سبع سنوات من ١٩٢٣ ــ ١٩٥٢، فى حين أن حكومات الأقلية هى التى حكمت معظم الوقت والصحافة خلافا لما يشاع كانت تحت الرقابة طوال الوقت سواء من القصر أو السفارة البريطانية، ومن لا يصدق عليه أن يقرأ الكتاب المهم للزميل محمد توفيق بعنوان «الملك والكتابة» وسوف يكتشف الحقيقة.
كانت هناك ليبرالية شكلية، لكنها تظل مقيدة مادام هناك احتلال وسقف يحدده هذا الاحتلال لا يمكن لأحد تجاوزه.
كثيرون يرددون أن الجنيه المصرى كان أقوى من الإسترلينى، لكنهم لا يكملون الجملة المفيدة، وهى أن ذلك لم ينعكس إيجابا على عموم الشعب، وكنا نعيش حرفيا فى مجتمع النصف أو الواحد فى المائة الذى يملك أكثر من ٩٠٪ من الثروة، مقابل أكثر من 99٪ لا يملكون إلا الفتات.
لم يكن هناك تعليم أو علاج بالمجان إلا ما ندر.
نعم كانت هناك حياة سياسية جيدة وحريات صحافة نسبية، لكنها لم تنعكس على حياة المجتمع، ولم تتمكن هذه الطبقة السياسية من إخراج المحتل أو تحقيق العدالة الاجتماعية.
الثورة ورغم أن أصحابها لم يقولوا عنها إنها ثورة فى البداية، وظلت توصف بأنها انقلاب أو حركة مباركة لكن وبعد ٤٥ يوما من قيامها تم إصدار أول قانون للإصلاح الزراعى، وتوزيع معظم أراضى الإقطاعيين على الفلاحين المعدمين فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢، والتقديرات أن هذا القرار والقرارات اللاحقة له، هى التى حولتها من حركة إلى ثورة.
وبالمناسبة كلمة ثورة ليست جيدة أو سيئة، فهى مصطلح يشير إلى إحداث تغييرات جوهرية وفى مجتمع ما، سواء للأحسن أو للأسوأ.
وبسبب القرارات الاجتماعية والاقتصادية وتأميم قناة السويس وبناء السد العالى والمصانع والمشروعات الكبرى أيدها غالبية المصريين.
وبالتالى غيرت هذه الثورة من وجه الحياة فى مصر إلى حد كبير.. لكن هل معنى كلامى السابق أن هذه الثورة كانت مثالية؟!
الإجابة هى لا قطعا، فهى ارتكبت أخطاء قاتلة وكارثية، لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم خصوصا هزيمة ٥ يونية ١٩٦٧، وغياب الحريات الحقيقية، وهذا أمر يستحق نقاشا لاحقا حتى تكون الصورة واضحة ويستطيع وقتها أى شاب صغير أن يكون صورة موضوعية عن هذه الثورة التى تحتفل الآن بعيدها السبعين. والأهم من الجدل حول: هل ثورة يوليو جيدة أم سيئة، أن نتعلم مغادرة الماضى والنظر للمستقبل والاندماج فى العصر الحديث بكل علومه وأفكاره ومواجهة كل صعوباته وتحدياته، وهو موضوع يستحق النقاش أيضا.