نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا لتاكاتوشى إيتو تناول فيه التغيرات فى السياسة الداخلية اليابانية وما يطرحه رئيس الوزراء اليابانى الجديد فوميو كيشيدا من برنامج اقتصادى يميل إلى اليسار، وهو ما يراه الكاتب اشتراكية صريحة تعرض مصالح اليابان للخطر.. نعرض منه ما يلى..
نجح رئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا فى اجتياز اختبار الانتخابات العامة فى الحادى والثلاثين من أكتوبر، التى جاءت بعد أسابيع فقط من وصوله إلى منصبه كقائد جديد للأمة. بخسارته 15 مقعدا فقط، جاء أداء الحزب الديمقراطى الليبرالى أفضل من المتوقع وسوف يحتفظ بأغلبية مريحة فى مجلس النواب، حيث حصل على 261 مقعدا من أصل 465.
كان الخاسر النسبى هو أكبر أحزاب المعارضة، الحزب الديمقراطى الدستورى، الذى خسر 13 مقعدا، ليصبح عدد المقاعد التى يشغلها 96 مقعدا. كان أداؤه أسوأ من المتوقع، على الرغم من حرصه على تنسيق اختياراته للمرشحين مع أحزاب المعارضة الأخرى.
كان أحد كبار الفائزين حزب إحياء اليابان، الذى حصل على 30 مقعدا ويشغل الآن 41، مما يجعله ثالث أكبر حزب فى مجلس النواب، بعد الحزب الديمقراطى الليبرالى والديمقراطيين الدستوريين. اجتذب الحزب الناخبين المنتقدين لإدارة الحزب الديمقراطى الليبرالى لأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد ــ 19) لكنهم عازفون عن دعم الديمقراطيين الدستوريين، بسبب تعاونهم مع الحزب الشيوعى أثناء الحملة الانتخابية.
•••
يبدو أن كيشيدا استفاد من انخفاض عارِض فى معدل الإصابة بكوفيد ــ 19. ولم يكن سلفه المباشر يوشيهيدى سوجا محظوظا بذات القدر. ففى أواخر أغسطس، ارتفع إلى عنان السماء متوسط الحالات الجديدة لسبعة أيام فى اليابان ليسجل أعلى مستوياته منذ اندلعت الجائحة، متجاوزا 25 ألف حالة خلال الأسبوع الذى بدأ فى الثالث والعشرين من أغسطس. وبحلول أوائل سبتمبر، أعلن سوجا استقالته.
لكن منذ ذلك الحين، تراجعت الإصابات الجديدة بسرعة، مع انخفاض متوسط الأيام السبعة إلى أقل من 270 حالة بحلول يوم الانتخابات. لم يتفق الخبراء بعد على كل العوامل المحتملة الكامنة وراء هذا التحول الدراماتيكى، لكن زيادة معدل التطعيم من 40% إلى 70% خلال فترة الشهرين ذاتها ساعدت بكل تأكيد. أيـًـا كان التفسير الكامل، فقد كان كيشيدا محظوظا.
لكن كيشيدا نجح أيضا فى قطع الطريق على الديمقراطيين الدستوريين من خلال تبنى برنامج اقتصادى أكثر ميلا إلى اليسار. أثناء الحملة، وعد كيشيدا بالتركيز بشكل خاص على إعادة توزيع الدخل، والاستعاضة عن النهج النيوليبرالى السائد بما أسماه «الرأسمالية الجديدة». بهذه الوعود تمكن من تقويض زعم الديمقراطيين الدستوريين بأن السياسات التى انتهجها الحزب الديمقراطى الليبرالى فى عهد رئيسى الوزراء شينزو آبى وسوجا تسببت فى توسيع فجوة الدخل.
مع ذلك، تمكن حزب إحياء اليابان من شغل بعض الفراغ فى يمين الوسط من خلال انتقاد تأكيد كيشيدا على إعادة التوزيع، زاعمين أن ما تحتاج إليه البلاد حقا هو الإصلاحات البنيوية اللازمة لتعزيز معدل النمو.
•••
الآن وقد فاز كيشيدا والحزب الديمقراطى الليبرالى، يصبح السؤال الكبير المتبقى هو ما الذى تعنيه «الرأسمالية الجديدة» فى الممارسة العملية. الواقع أن الإشارات المبكرة لا تبشر بـخير. كان أول قرار سياسى ملموس يتخذه كيشيدا هو صرف 100 ألف ين يابانى (878 دولار أمريكى) لكل شخص يبلغ من العمر 18 عاما أو أقل. ورغم أن هذا البرنامج يشترط بحث الحالة الاجتماعية (لتحديد دخل الأسرة)، فإن سقفه مرتفع إلى الحد الذى جعل 90% من كل الـقَـصَّـر اليابانيين مؤهلين له.
ثم، فى الرد على الانتقادات المتوقعة بأن الصرف النقدى لن يؤدى إلا إلى زيادة مدخرات الأسر وليس الاستهلاك، أعلن كيشيدا أن نصف الإعانة المالية ستأتى فى هيئة قسائم تسوق. لكن هذا التغيير بالكاد يضمن زيادة استهلاك الأسر، لأن القسائم يمكن أن تحل ببساطة محل النقد الذى سيُـدَّخَر آنئذ.
•••
فى النهاية، فى حين أن هدف كيشيدا المتمثل فى مساعدة الآباء العاملين جدير بالثناء، فإن طريقته المختارة مضللة. الأسوأ من هذا أن مبادرة أخرى قيد الدراسة من المنتظر أن تدعم (من خلال خصم ضريبى) الشركات التى ترفع الأجور فى ظل ظروف معينة. مثل هذه الحوافز قد تُفضى إلى دفع الأجور ومستويات تشغيل العمالة إلى الارتفاع، لكنها ليست الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق هذه الغاية.
قد يتمثل نهج أكثر منطقية فى التركيز على زيادة قدرة العمال على التنقل داخل سوق العمل. يبدأ هذا بإلغاء هيكل الدفع المؤجل (زيادة مكافأة نهاية الخدمة تبعا لمدة شغل الوظيفة) وأجور الأقدمية (تبعا لمدة شغل الوظيفة)، إلى جانب تقديم المساعدة المالية لإعادة تدريب العاملين فى منتصف حياتهم المهنية. علاوة على ذلك، تتلخص أفضل طريقة لزيادة الإنتاجية والأجور فى الأمد البعيد فى تخصيص قسم أكبر من مناهج المدارس الثانوية لموضوعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وإلغاء نظام تحديد التخصصات الجامعية فى وقت امتحان القبول.
طرحت حكومة كيشيدا فكرة أخرى تتمثل فى دعم تجار النفط بالجملة عندما يصل سعر تجزئة البنزين إلى عتبة معينة (170 ينا للتر). لكن هذا يبدو وكأنه نوع من إعانات دعم الوقود الذى يبغضه معظم أهل الاقتصاد. يصادف المرء مثل هذه السياسات عادة فى الاقتصادات الناشئة والنامية، حيث يُـقـصَـد منها شراء الدعم السياسى من قِـبَـل الأسر المنخفضة الدخل. بمجرد تقديم هذا البرنامج، بكل ما ينطوى عليه من أوجه قصور، يُـصبِـح إلغاؤه محفوفا بالمخاطر من الناحية السياسية. البديل الأفضل هنا هو النهج المعيارى المتمثل فى تقديم الدعم المباشر الموجه إلى الأسر المنخفضة الدخل والشركات الأساسية.
توحى المؤشرات المبكرة بأن رأسمالية كيشيدا الجديدة هى فى حقيقة الأمر اشتراكية صريحة مألوفة. لن يخدم هذا مصالح اليابان. إذ يحتاج الاقتصاد إلى إصلاحات بنيوية لدعم التنمية، وليس إعانات الدعم التى لن تُـفضى إلا إلى تشويه الأسواق.
النص الأصلى هنا