هل التكنولوجيا عامل حاسم فى الحروب؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل التكنولوجيا عامل حاسم فى الحروب؟

نشر فى : الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 8:10 م
دائما ما نسمع أننا يجب أن نتعلم من التاريخ حتى نفهم الحاضر ونخطط للمستقبل. ما لم تحذر منه تلك النصيحة أن التعلم من التاريخ ليس سهلا. عندما تدرس حادثا ما فى الماضى، هل تستطيع بسهولة أن تقول إن هناك حادثا فى عصرنا يشبهه؟ الإجابة ليست سهلة، مثلا عليك أن تجيب على بعض الأسئلة الصعبة: ما هو وجه الشبه؟ هل العناصر المؤثرة فى الحادث القديم هى نفسها المؤثرة فى الحادث الحالى؟ هل ترتيب أهمية تلك العناصر هو نفس الترتيب فى الحادثين؟ هل أخذت فى الاعتبار الحالة النفسية وشخصية العناصر البشرية فى كلا الحادثين، الأحداث يقوم بها بشر فى النهاية؟ كل هذه الأسئلة إجاباتها فى منتهى الصعوبة. هناك عامل مؤثر كبير فى أغلب الأحداث التاريخية وعلى رأسها الحروب طبعا وهو العامل التكنولوجى. أى حادث فى الماضى أكيد كانت التكنولوجيا أقل تقدما من الحاضر، لكن هل العامل التكنولوجى دائما هو الحاسم فى الحروب؟ الإجابة السهلة هى بالطبع نعم، لكن الموضوع ليس بهذه السهولة، كما سنرى فى هذا المقال.

عندما نتحدث عن الحروب فى مقال اليوم فإننا نتحدث عنها بجميع أشكالها:
• الحروب الباردة
• الحروب الساخنة بين الجيوش النظامية
• الحروب الساخنة التى تأخذ شكل حروب العصابات.
التكنولوجيا تلعب دورا كبيرا فى كل تلك الأشكال من الحروب ويمكننا تقسيم هذا الدور إلى الأنواع التالية:
• القتال المباشر: التكنولوجيا هنا هى السلاح وتساعد التكنولوجيا فى السرعة وقوة التدمير والمدى.
• المعلومات: دور التكنولوجيا هنا تكون فى التجسس على الخصم وفى منع الخصم من التجسس وهذا يدخل فيه الأمن السيبرانى.
• التخطيط: ويشتمل على دراسة تحركات الخصم والتنبؤ بردود الأفعال ويشمل ذلك طبعا نظم المحاكاة التى تكلمنا عنها فى المقال السابق.
• القتال غير المباشر: وهذا مرتبط بحرب المعلومات والأمن السيبرانى لأن هنا يمكن السيطرة، بل وتدمير البنية التحتية للخصم عن طريق اختراق نظم التحكم للخصم، ومن أشهر الأمثلة فيروس (stuxnet) الموجه للمفاعلات الإيرانية والذى طورته حسب أغلب التكهنات أمريكا وإسرائيل.
طبعا لفظ الذكاء الاصطناعى لم يرد فى تلك القائمة لأنه يدخل فى كل نوع من تلك الأنواع. لذلك تتسابق الدول فى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى لأنها تعتبر سلاح حربى بالإضافة إلى الاستخدامات المدنية.
هناك عدة حروب تدور رحاها الآن، لكن لنأخذ مثالا لحرب بين أقوى دولتين من حيث التكنولوجيا فى عصرنا الحالى: أمريكا والصين. الحرب بينهما باردة وكل دولة تنتهج فيها منحى مختلف عن الأخرى.
...

أمريكا وعن طريق الذراع البحثى لها (DARPA) فى وزارة الدفاع مولت الكثير من الأبحاث العلمية سواء فى الجامعات أو الشركات أو معامل الأبحاث الحكومية. من أمثلة التكنولوجيات التى ظهرت من هذه الشراكة: تكنولوجيا الإخفاء من الرادارات (stealth) والأسلحة الموجهة بدقة عن طريق الليزر والكمبيوتر، ناهيك طبعا عن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والنسخة الأولى من الإنترنت (وكانت تسمى أربانت آنذاك). هذه التكنولوجيات والكثير مما لم يذكر ساعدت أمريكا فى الكثير من الحروب. حرب الخليج تعتبر نقطة فاصلة فى التاريخ العسكرى الأمريكى لأنه تم استخدام أسلحة تقليدية وأيضا تجربة أسلحة بتكنولوجيا متقدمة. أمريكا ما زالت تمول بغزارة الأبحاث العلمية والتكنولوجية لأنها المصدر الأساسى لتكنولوجيا الحروب.

لكن يجب ألا ننسى حرب فيتنام وأفغانستان حيث لم تساعد التكنولوجيا فى حسم المعركة.
إذا وجهنا النظر نحو الصين فسنجد استراتيجية مختلفة. منذ عدة عقود كانت الفجوة التكنولوجية كبيرة جدا بين الصين وأمريكا وكانت الصين تحاول نقل التكنولوجيا الغربية وتصنيعها بسعر أقل. أما الآن فالحال مختلف.

فى العام 2019 غزت الصين العالم فى مجال الاتصالات والشبكات عن طريق شركتى هواوى وزى تى أى خاصة فى تكنولوجيا الـ 5G. الصين أصدرت استراتيجيتها المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى قبل أمريكا بأربع سنوات. فى العام 2021 أطلقت الصين المشروع المعروف باسم (orbital bombardment system) أو نظام القصف المدارى الذى يستطيع توصيل القذائف بسرعة وكفاءة لأغلب المناطق على الكرة الأرضية. كل ذلك يعتبر من الأخبار السيئة بالنسبة لأمريكا وما زال سباق التسلح بينهما جاريا على أشده خاصة فى مجال التكنولوجيا. ويمكننا أن نرى آثار تلك الحرب الباردة فى أن حجم التبادل التجارى بين أمريكا والصين فى أقل معدلاته منذ عشرين عاما.

...

سباق التسلح التكنولوجى ساحته كل المجالات العلمية وحتى العلوم الإنسانية، لكن الجزء الأكبر من الميزانيات يذهب إلى أربعة أفرع:
• الذكاء الاصطناعى: وهو كما قلنا عامل مساعد فى جميع الأفرع الأخرى.
• الحاسبات فائقة السرعة: وتستخدم لتشغيل وتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعى المتقدمة بالإضافة إلى نظم المحاكاة الدقيقة التى تستخدم فى أشياء متعددة منها تصنيع الأسلحة.
• الحاسبات الكمية (quantum computing): وهو نوع من الحاسبات يعتمد على قواعد الفيزياء الكمية وسرعته فى بعض البرمجيات من المنتظر أن تكون أعلى بكثير من الحاسبات فائقة السرعة العادية. هذه البرمجيات التى يتفوق فيها هذا النوع منها كسر التشفير، لذلك تعتبر من أكثر الأفرع التى تنفق فيها أمريكا والصين الكثير من الأموال للبحث العلمى. ما زالت تلك النوعية من الحاسبات فى طور التطوير ولم تدخل الخدمة بعد.
• كل ما سبق يعتمد على الرقائق (chips) لذلك تنفق الدول الكثير من الأموال لتصنيع رقائق متقدمة.
إذا نجحت دولة ما فى التفوق فى الأفرع المذكورة أعلاه فهل معناه أنها لن تهزم فى أية حرب؟

...

يجب أن نفرق بين الحرب والقتال. القتال جزء من الحرب وليس الحرب كلها. قد تكون التكنولوجيا المتطورة عاملا حاسما فى بعض المعارك بين الجيوش النظامية، لكن فى حرب الشوارع أو الحرب طويلة الأمد هناك عوامل أخرى تجعل التكنولوجيا وحدها غير كافية للفوز فى الحرب:
• سهولة الحصول على التكنولوجيا حتى ولو لم تكن أكثرها تقدما يجعل العنصر البشرى يبدع فى استخدامها أو كما نقول فى المثل العامى «يغزل برجل حمار». كم سمعنا عن شباب فى مقتبل العمر يتمكن من اختراق أجهزة كمبيوتر فى وزارات الدفاع مثلا لدول متقدمة. هناك حتى أفلام سنيمائية تحكى عن ذلك.
• التقدم التكنولوجى دون أن يصحبه تقدم فى التدريب على التخطيط واستخدام تلك التكنولوجيا بكفاءة لن يفوز فى حرب.
• التأثير فى الرأى العام يكون له تأثير كبير على سير المعارك.
نستطيع أن نقول إن التكنولوجيا تؤثر فى طبيعة القتال وليس الحرب، وهناك حروب فازت فيها الدول الأقل امتلاكا للتكنولوجيا، على سبيل المثال حرب العصابات فى إسبانيا ضد جيوش نابوليون وحرب أمريكا فى فيتنام.

...

التكنولوجيا عامل مهم ولا شك، لكن استخدام التكنولوجيا هو العامل الأهم وهو عامل بشرى فى الأساس. عدم امتلاك تكنولوجيا متطورة لا يعنى أنك لا تستطيع مجابهتها.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات