بعد مونديال قطر.. المنطقة على مسار تنافس جديد - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد مونديال قطر.. المنطقة على مسار تنافس جديد

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2022 - 8:10 م

التحركات السياسية خلال الأسابيع التى واكبت فترة مونديال قطر توحى بأن منطقة الشرق الأوسط تشهد نواة لثلاثة تحالفات دفعة واحدة. الأول نواة لتحالف صينى سعودى وقد يكون له امتداد خليجى. والثانى، تحالف روسى إيرانى رفع مستوى التبادل العسكرى بين البلدين لمستويات غير مسبوقة. والثالث عودة للشراكة الأمريكية المصرية لم تكن فى الحسبان. وإذا كانت الشواهد والأحداث تؤكد على وجود هذه النواة، فإن تطور تلك المسارات قد تدخل المنطقة فى حالة متقدمة من المنافسة المشوبة بالتوترات وقد تؤدى بعد فترة وجيزة إلى حالة صدام حقيقية لا تقل ضراوة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
• • •
منذ زيارة الرئيس الأمريكى إلى المنطقة يوليو 2022، ولقائه فى قمة جدة بقادة الخليج وعدد من القادة العرب، زادت التحليلات التى تسلط الضوء على تراجع العلاقات البينية الأمريكية السعودية. فبداية من طريقة المصافحة بالقبضات بين ولى العهد والرئيس الأمريكى أثناء المؤتمر، ثم إشارة الرئيس الأمريكى فى كلمته بأن الولايات المتحدة موجودة فى المنطقة بفضل قواتها ولن ترحل، وصولا إلى اتفاق منظمة الأوبك على تخفيض إنتاج البترول مما أدى لاستمرار ارتفاع أسعاره عالميا وتأثير ذلك السلبى على الاقتصاد العالمى وعلى حالة التضخم غير المسبوقة بكل البلاد الغربية، كل رءوس الموضوعات هذه أقنعت المراقبين بأن الشقاق بين الطرفين يستعصى حاليا على الإصلاح. ثم زادت حالة الترقب بعد الإعلان عن زيارة الرئيس الصينى لعقد قمم صينية خليجية، وصينية عربية مطلع ديسمبر 2022. كشفت القمم عن ارتفاع حالة التعاون غير المسبوق بين الصين والمملكة، بما فى ذلك المجال العسكرى الذى يشمل ليس فقط بيع وشراء الأسلحة، ولكن أيضا تشييد مصانع مشتركة لإنتاج الأسلحة بالمملكة. علما بأن الإعلام الأمريكى كشف قبل عام عن وجود مصنع صينى بالمملكة لإنتاج الصواريخ الباليستية! معنى ذلك أن ترسانة أسلحة المملكة مجهزة لاستقبال أسلحة دمار شامل، فالصواريخ الباليستية تستطيع حمل رءوس نووية. ولو أضفنا إلى هذه المعلومات، تصريح وزير الخارجية السعودى بعد أيام من القمة الصينية، الذى أكد فيه على أن المملكة ستمتلك سلاحا نوويا بمجرد إعلان إيران إنتاجها سلاح نووى، فإن ذلك يؤكد على خطورة المسار الذى تسير إليه المنطقة!
ولقد استفادت الصين من أمرين على الأقل من الزيارة. الأول إعلان من كل الدول العربية بتبعية تايوان إلى الوطن الأم الصين، تأكيدا لسياسة الصين الواحدة. وفى المقابل أعلنت الصين بأن جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى هى جزر إماراتية، الأمر الذى وجد احتجاجا رسميا من إيران التى تحتل الجزر الثلاثة وتعتبرها أراضى إيرانية غير محل نقاش. الأمر الثانى، التأكيد على تطويرها شبكة الاتصالات باستخدام تكنولوجيا الجيل الخامس والسادس للاتصالات، الأمر الذى انتقده الرئيس الأمريكى سابقا وأكد على أن الولايات المتحدة ستطور مع المملكة شبكة الجيل الخامس والسادس، لكن يبدو أن الأمر حسم لصالح الصين، علما بأن بعض الخبراء يؤكدون أن هذه الخطوة تعتبر اختراقا صينيا لمنطقة نفوذ أمريكى فى مجال تكنولوجيا الاتصالات، وسيتبعها اختراقات أخرى ردا على سياسة الولايات المتحدة فى تايوان. بيد أن إيران فى هذا السياق تراقب عن كثب هذه التطورات، ولا تريد اختلال توازنات القوى بالمنطقة. فإيران تعلم معنى التعاون الصينى السعودى الذى لا يكلف المملكة تكلفة سياسية على غرار التعاون مع الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق يمكن رؤية فوائد الحرب الروسية الأوكرانية التى جاءت لصالح إيران من عدة نواحٍ. فلقد ارتفع التعاون العسكرى الإيرانى ــ الروسى إلى درجة غير مسبوقة. وطلبت إيران تحديثا شاملا لمنظوماتها العسكرية التى تأثرت بسبب عقود من العقوبات، وذلك مقابل رفع إنتاج المسيرات، والصواريخ الإيرانية وبيعها للجانب الروسى. والأخيرة لديها من المصانع ما يكفى، ولكن ليس لديها من الوقت ما يكفى لإنتاج ما تريده. ومن ثم دخلت فى شراكة تصنيع عسكرى مع إيران على غرار ما تقوم به الصين مع السعودية! وذلك يؤكد على خطورة المسار الذى تسير إليه المنطقة.
• • •
فجأة أعلنت إيران عن تسلم مقاتلات السيطرة الجوية سوخوى 35 من الجانب الروسى، والتى تم إنتاجها لصالح مصر. ولا يمكن للجانب الروسى إعادة بيع هذه المقاتلات بدون موافقة مصرية. ولكن لماذا توافق مصر؟ هل التحذيرات الأمريكية التى لوحت بها الإدارات الامريكية المتعاقبة لها علاقة بذلك؟ علما بأن وصول هذه الطائرات إلى إيران غير بالفعل توازنات منطقة الخليج لصالح إيران، ناهينا عن التوازن مع إسرائيل! ولم تمضِ أيام على هذه الأخبار حتى ظهرت فى الأفق القمة الأمريكية الأفريقية، والتى دُعى لحضورها الرئيس المصرى وكل القادة الأفارقة منتصف ديسمبر 2022. وترسل هذه القمة عدة رسائل، أولا، الولايات المتحدة لن تترك أفريقيا ملعبا مفتوحا لنفوذ كل من الصين وروسيا. والثانية، أن صفقات التسليح الأمريكية قادرة على تعويض مصر عن المقاتلات السوخوى 35. ثم إن حالة التعاون الأمريكى المصرى هى شراكة استراتيجية، بدليل زيارة الرئيس المصرى للبنتاجون الأمريكى وعقد لقاء مطول مع وزير الدفاع أوستن، ثم استقباله مستشار الأمن القومى الأمريكى. هذا وتولت مصر قيادة «المهام المشتركة 153» المكلفة بحماية حركة الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب فى مناطق البحر الأحمر، وخليج عدن وباب المندب، وهى قوات من 35 دولة. وبمجرد إعلان ذلك هدد الحوثيون القوات البحرية المصرية بعدم الاقتراب من شواطئ اليمن. وهذا ليس تهديدا حوثيا فقط، ولكن فى باطنه تهديدا إيرانيا أيضا. وذلك يؤكد على خطورة المسار الذى تسير إليه المنطقة.
تغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه مصر والرئيس المصرى، التى تبدو غير منطقية، ومتسرعة، هى فى الواقع خطوات تحرك بطىء وتدريجى ظهرت شواهده منذ فترة. فبداية من استجابة الجانب المصرى للإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا، وبعض المحكوم عليهم، مرورا بمساعدات أمريكية لمصر بلغت نصف مليار دولار فى مؤتمر المناخ كوب ــ27، وصولا إلى موافقة صندوق النقد الدولى لمنح مصر قرض جديد على 48 شهرا بإجمالى 3 مليارات دولار، وتسهيلات من جهات تابعة للصندوق بـ14 مليار دولار، كل هذه الشواهد تؤكد على أن الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين عادت إلى سابق عهدها قبل ثورة 2011. ولكن ماذا تريد الولايات المتحدة من مصر؟ الشاهد أن محصلة الشراكات الجديدة بالمنطقة تخفض من درجة استقلالية المنطقة، وتقحم شركاء دوليين جدد فى معادلة التوازن الإقليمى. وهى أطراف فى حالة شد وجذب بسبب قضايا دولية شائكة، مثل حرب أوكرانيا، وتوتر ملف تايوان. فإذا أضفنا إلى ذلك توتر الخليج، والتحول السعودى عن الولايات المتحدة، فى نفس وقت اقتراب روسيا من إيران، فقد لا نكون مبالغين إذا حذرنا من انفجار الوضع فى الخليج فى غضون سنة أو أكثر!

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات