رون بن يشاى محلل عسكرى
«الشرق الأوسط الجديد» أصبح هنا. من الحوض الشرقى للبحر المتوسط حتى أفغانستان، لم تعد الدول العظمى هى التى تفرض على الأطراف الإقليمية إرادتها، وحتى لم تعد تؤثر فيها بصورة حاسمة. مكان الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا كمراكز قوة وكلاعبين أساسيين ــ كما كانوا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد الثانية ــ تأخذه اليوم القوى العظمى الإقليمية والتحالفات التى أقاموها.
هناك سمة إضافية تُميز الشرق الأوسط فى أيامنا هذه، هى سياسة الهويات الدينية، الطائفية، والعشائرية، والتى حلت محل الهويات القومية والوطنية كقوة محركة سياسية أساسية لسكان المنطقة. يضاف إلى ذلك حقيقة أن أطراف القوة الأساسيين يحتفظون فى مناطق القتال بقوات يستخدمونها، «وكلاء محليين» يقاتلون بواسطتها قوات محلية أو وكلاء الطرف الآخر، لتقوم بالمهمة الصعبة بدلا منهم.
بواسطة المرتزقة، الطموح هو تقليل عدد نعوش القتلى التى تعود إلى طهران، وموسكو، وأنقرة، وأبو ظبى، خوفا من ردة فعل الرأى العام فى هذه الدول.
لكن حتى قبل ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل هى لاعب مستقل بمكانة قوة إقليمية عظمى صغيرة فى منظومة القوات الشرق الأوسطية الجديدة. ونتيجة قوة الجيش الإسرائيلى والاختراعات والمشاريع الاقتصادية، أتيحت لنا فرص لم تكن متاحة فى الماضى لترسيخ المشروع الصهيونى، لكن فى الوقت عينه يجب أن نعترف بحقيقة أن التهديدات ضدنا، وليس الأمنية فقط، ازدادت وأصبحت متنوعة أكثر.
الفلسطينيون أيضا مثلنا تماما، هم إلى حد بعيد لاعب مستقل. لكنهم يستمدون قوتهم فى الأساس من ضعفهم. لحسن حظهم، «سياسة الهويات» والمواجهة مع إسرائيل تمنع من وقت إلى آخر التهميش الكلى «للقضية الفلسطينية» فى السياسة الإقليمية.
صراع بين ثلاثة ائتلافات إقليمية
تدور الصراعات الإقليمية فى أيامنا هذه بين 3 ائتلافات إقليمية. الأول، المحور الشيعى الراديكالى الذى تقوده إيران، والثانى، المعسكر السنى المعتدل بزعامة السعودية واتحاد الإمارات، والثالث، الكتلة السنية المؤلفة من تركيا وقطر والحكومة فى غرب ليبيا.
***
فى المحور الشيعى ــ الرايكالى الذى تقوده إيران تُعتبر سوريا شريكة كاملة. لبنان والعراق يُعتبران كأطراف مساعدة ــ لكنهما ليسا عضوين كاملين فى الائتلاف. يمكن أن نعدد ضمنه أيضا حزب الله والميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق، والحوثيين فى اليمن، والمجموعات الشيعية المسلحة فى أفغانستان وباكستان.
ويمكن أن نُدخل ضمن هذا المحور أيضا حركة الجهاد الإسلامى الفلسطينية و«حماس» ــ اللتين تنتميان إلى التيار السنى الإسلامى ــ وعمليا يعتبران «ملحقين»، أو يمكن الاعتماد عليهما، لكنهما ليستا ملزمتين بصورة كاملة بالمحور الذى تقوده طهران.
الأهداف الاستراتيجية للمحور الشيعى الراديكالى تتطابق مع المصالح الأساسية لإيران: تحويل القيم الشيعية إلى تيار مسيطر ومقرر فى الإسلام فى الشرق الأوسط، وتحقيق هيمنة إيران الإقليمية بصورة تمنع منعا باتا المس بأمنها القومى، وتسمح لها بأن تكون طرفا إقليميا مهيمنا اقتصاديا، وتتيح لها «قوة وطنية»، وطرد الأجانب «الكفار» (الغربيين – النصارى وإسرائيل) من المنطقة.
القوة الأساسية لهذه الكتلة هى الحافز الدينى ــ الطائفى القوى والناجم عن الإحساس بالتضحية، بالإضافة إلى موارد النفط الضخمة لديها. لكن هذه الكتلة ضعفت أخيرا بسبب العقوبات الأمريكية التى أدت إلى ضائقة اقتصادية، وبسبب الكورونا وعدم الاستقرار الاجتماعى الذى تسبب به فساد السلطة وبطالة الشباب.
***
المعسكر السنى المعتدل المؤيد للغرب بقيادة السعودية واتحاد الإمارات، والذى ينتمى إليه أيضا البحرين، والكويت، وعمان، ومصر، والأردن، والسودان، وأيضا أغلبية دول شمال أفريقيا، باستثناء جزء من ليبيا. ما يوحد هذا المعسكر فى الأساس التخوف من إيران، ومن الإسلام السنى الراديكالى بفرعيه: الإخوان المسلمون وداعش.
تُعتبر إيران الفارسية الشيعية عدوا مرا لهذا الائتلاف، لأنها تهدد بتحويل هذه الدول إلى «تابعة لها» والمس بكرامتها. الإسلام الراديكالى السنى بفرعيه يهدد استقرار هذه الأنظمة التى يحكم أغلبيتها حكام مستبدون.
***
ائتلاف تركيا، قطر والحكومة فى غرب ليبيا، يتوحد فى الأساس حول الدين. حكام تركيا وقطر ورئيس حكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا، هم من مؤيدى ما يُعرف بـ«الإسلام السياسي«ــ التيار الفكرى الدينى الذى نمت فيه حركة «الإخوان المسلمين». هذا التيار الذى تأسس فى مصر يتطلع إلى إقامة الخلافة الإسلامية فى العالم، تماما مثل داعش، لكنه يريد أن يحقق ذلك على مراحل.
فى البداية يريد التيار أن يقود تصحيحا للمجتمع وصفات الحكام فى الدول الإسلامية، وتحقيق أهداف وطنية تسمح بقيام دولة الشريعة، بحسب تعاليم القرآن، وفى نهاية المرحلة تقام الخلافة العالمية.
فى مقابل ذلك، التنظيمات المتطرفة العالمية (داعش والقاعدة) تريد التوصل إلى الخلافة العالمية بواسطة الدم والنار واحتلالات عسكرية. «حكومة الوفاق الوطنى» فى ليبيا تدعم، مثل تركيا وقطر، أطرافا إسلامية راديكالية.
تتطلع تركيا وقطر إلى أن يتحولا إلى طرف إقليمى مؤثر، لكن بوسائل مختلفة. تحاول تركيا أن تتحول إلى قوة إقليمية عظمى فى الحوض الشرقى للبحر المتوسط من خلال رافعة، فى الأساس اقتصادية. يريد أردوغان السيطرة على مخزون النفط والغاز الذى تحتاج إليه الصناعة التركية ــ وهو مستعد للمخاطرة بخوض مواجهة عسكرية مع اليونان. بموازاة ذلك، أرسل جيشه كى يقاتل إلى جانب الحكومة فى غرب ليبيا.
أهداف نيو ــ عثمانية إضافية تدفع بها تركيا قدما، هى قمع الحركة الوطنية الكردية داخل وخارج حدودها ومساعدة المتمردين السوريين فى المناطق الواقعة فى غرب سورية، والتى تدعى تركيا حاليا أنها اقتُطعت منها. فى موازاة ذلك، وعلى الرغم من أن إيران دولة شيعية ومنافسة لها اقتصاديا، فإنها تحافظ على علاقات جيدة معها، وتساعد طهران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى (والدته الشيخة موزة تسيطر عليه وعلى الإمارة) ليس لديه مشكلات طاقة أو اقتصاد. هو ووالدته يريدان أن يتحولا إلى طرف إقليمى دولى يجب أخذه فى الاعتبار من خلال استخدام «قوة لينة». من بين الوسائل قناة «الجزيرة«ــ التى تُعتبر رافعة شديدة الأهمية تهدد قطر بواسطتها، دعائيا، أنظمة عربية معادية، وتكافئ أنظمة صديقة. وللسبب عينه تدعم قطر، اقتصاديا أيضا، تنظيمات تتماهى مع الإخوان المسلمين، مثل «حماس» فى غزة.
هناك مكون لا يقل أهمية فى سلوك قطر، هو ضمان بقاء النظام بواسطة علاقات طبيعية مع إيران فوق الطاولة وتحتها من جهة، وبواسطة حلف عسكرى مع تركيا والولايات المتحدة من جهة ثانية. يوجد فى قطر أكبر قاعدة أميركية فى الشرق الأوسط، وأخيرا أقيمت هناك قاعدة تركية أيضا. التحالف القطريــ التركى تحول إلى عدو للمعسكر العربيــ السنى المعتدل.
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية