حينما يتم نسب كل عمل أو حدث أو تحرك جماهيرى كبير كان أو صغير، إلى جماعة الإخوان، فإن من يفعل ذلك يعطى الجماعة ــ بحسن نية منقطع النظير ــ حجما أكبر من حجمها بكثير.
وأظن أن هذه الطريقة أفضل خدمة تقدمها الحكومات العربية إلى جماعة الإخوان منذ سنوات طويلة.
فى مرات كثيرة تقع أحداث أو جرائم، ويتم نسبتها إلى الإخوان، الذين لا يمانعون فى ذلك، حتى لو لم يفعلوها ويتركون الأمر معلقا لأنه سيعطى انطباعا بأنهم قادرون على كل شىء!!!. حينما يتم تكرار هذا الكلام، فإن النتيجة النهائية هى ترسيخ مفهوم أنها جماعة لا تقهر، وتضم مجموعة من العمالقة وأنها ورغم كل ما تعرضت له قادرة على الفعل والتأثير.
لست من هواة التهويل أو التهوين، وفى حالة جماعة الإخوان لست من المؤمنين بأنها انتهت أو تلاشت، لأنه لا يعقل أن جماعة تأسست عام ١٩٢٨، على نظام حديدى محكم قائم على السمع والطاعة وتستغل سلطان ونفوذ الدين على مجموعات ضخمة من البسطاء، وتنتشر فى نحو سبعين دولة، ولا تزال تؤثر فى العديد من بلدان المنطقة، يمكن أن تتلاشى فى ٦ سنوات.
هى تعرضت لضربات موجعة جدا فى عمودها الفقرى فى مصر، وبعض دول المنطقة، لكن الحديث عن نهايتها لا يتم بالطريقة التى يتخيلها البعض.
هى سيضعف تأثيرها وتتلاشى حينما يكون هناك نموذج مستنير مناقض تماما للنموذج الكهنوتى الذى تطرحه، وأن يكون هناك تصويب وتصحيح للعديد من المفاهيم الدينية التى تغلغلت طوال عقود فى نفوس المصريين العرب.
قبل أيام قليلة قرأت على صفحة الأستاذ سيف نصراوى يقول ما معناه: «أكبر خطأ استراتيجى هو تصوير كل حراك معارض بأنه إخوان، وهذا محض تدليس وكذب «بيور اند سمبل»،!!، لأن هناك آلاف الليبراليين واليساريين والوطنيين والإسلاميين غير الإخوان، يعارضون الحكومة. ثم إن هذا التصوير يعطى الإخوان حجما يفوق حجمهم بمراحل ضوئية ويجعلهم فى عيون الناس فى الداخل وفى عيون اللاعبين الإقليميين والدوليين، وكأنهم أهم طرف مدنى ممكن التفاوض معه لتحقيق الاستقرار».
وفى رأى سيف نصراوى فإنه وبعد الضربات الموجعة للإخوان فأكبر طرفين يحظون بالامتداد الشعبى حاليا هما شبكات الفلول والسلفيين، فى تقديره أيضا فإن الإصرار على تصوير الإخوان وكأنها عملاق كبير سيربك ويجمد الصراعات الداخلية بالجماعة، ويعيد اللُحمة والتماسك والالتفاف حول القيادات التاريخية للجماعة الموجودين فى السجون، ولا تزال تمسك بملفات التمويل والعضوية والعلاقات الخارجية، وبالتالى فإن أى شخص حريص على استقرار مصر أو الإسلام نفسه لابد ألا يعطل إجراء النقاش المنطقى بل والصراعات داخل الجماعة أو الجماعات التى تتصارع داخل الإخوان، كى يتخلص جمهورها من أوهام الخلافة أو تطبيق الشرعية.
ما سبق هو ملخص عام لرأى سيف نصراوى، وأجد نفسى متفقا معه إلى حد كبير.
فى تقدير البعض الآخر فإن هناك مشاكل كثيرة أخرى تعصف بجماعة الإخوان من الداخل، ومن الخطأ تعامل بعض وسائل الإعلام مع هذه الصراعات باعتبارها تمثيليات!!، هذا التصور يتجاهل الصراع الطبيعى الناتج عن أسباب موضوعية، مثل وجود كثير من قيادات وكوادر الجماعة فى السجون أو المنافى والضربة غير المسبوقة التى تعرضوا لها، والصراعات على المناصب أو المغانم فى الخارج، ودور السوشيال ميديا، فهى وإن كانت أفادت الجماعة فى المحافظة على بقائها حتى الآن، فهى أيضا سمحت لقطاعات كثيرة داخلها بالتجرؤ ونقد ممارسات لكبار قادتها، وهو أمر كان ينظر إليه حتى سنوات قليلة ماضية باعتباره من التابوهات المقدسة!.
علينا أن نتعظ مما حدث فى الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة، فقد كانت هناك أوهام كثيرة لدى البعض بأن إخوان تونس سوف يحسمون الأمر من الجولة الأولى، ثم كانت المفاجأة أن مرشحهم عبدالفتاح مورد خرج من السباق تماما، وحل فى المرتبة الثالثة، ومعه كل رموز النظام القليدى.
مرشح الإخوان حصل على أقل من ١٣٪.
المثال السابق هو دعوة لعدم اعتماد التصورات الثابتة باعتبارها حقائق ثابتة لا تتغير. السياسة لا تعرف ذلك. بل تخضع للظروف والتقلبات والمزاج العام إضافة لمصالح الناس.
من أجل كل ما سبق يجب على الجميع أن يتريث ويفكر كثيرا قبل أن يساهم فى عملقة الإخوان، أو حتى «تقزيمهم». الأفضل هو عرض الحقائق فقط، حتى لا يساهم هؤلاء حسنى النية فى ترسيخ مفاهيم خاطئة، هم أنفسهم يقولون إنهم يحاربونها!!.