يفتح قرار محكمة الجنايات، برفع أسماء 716 شخصًا من قوائم الإرهاب، ضمن توجه نحو مراجعة شاملة لموقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، بابا جديد فى التعامل مع هذا الملف الشائك الذى ظل لسنوات الشغل الشاغل للعديد من الدوائر الرسمية والحقوقية، باعتباره من صميم القضايا التى تمس العمل العام، وتلك المتعلقة بالحريات، وحقوق الإنسان.
القرار الذى جاء بعد طلب من النيابة العامة، كان طبيعيا أن يحظى بترحيب واسع فى دوائر عدة، وبينها المنظمات الحقوقية بشكل خاص، فلأول مرة يشمل قرار الرفع من قوائم الإرهاب هذا العدد الكبير دفعة واحدة، فى إطار توجيه رئاسى بمراجعة المواقف القانونية للمتهمين سواء المحبوسون أو المدرجون على قوائم الإرهاب، وسرعة التصرف بشأنهم، تجاوبا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتحقيقا للعدالة الناجزة، وإعلاء لدولة القانون.
النيابة العامة أشارت فى بيان عن سبب طلبها رفع أسماء هؤلاء الأشخاص من قوائم الإرهاب بأنها جاءت بعد إجراء الجهات الأمنية تحريات دقيقة للتأكد من مدى استمرار الأنشطة الإرهابية للمسجلين على تلك القوائم، و«أن التحريات أسفرت عن توقف (من شملهم القرار) عن القيام بأى أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها، ما دفع النائب العام إلى عرض نتائج التحقيقات على محكمة الجنايات، التى استجابت لطلب النيابة وقررت رفع أسمائهم».
هى خطوة مهمة سيتبعها خطوات أخرى على ما يبدو من توضيح النيابة العامة، فى بيانها، من «أنها مستمرة فى مراجعة موقف باقى المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين»، وتأكيدها على أن «من يثبت توقف نشاطه غير المشروع سيتم رفع اسمه من القوائم وفقًا للإجراءات القانونية».
وبإمعان النظر فى الأسماء التى شملها قرار محكمة الجنايات، فإننا أمام صفحة جديدة فى سجل طال انتظاره، يعطى كل ذى حق حقه، إذا ما ثبت أنه برىء ولا يستحق الحرمان من حقوقه الأساسية، بغض النظر عن انتمائه السياسى، وطالما لم يتورط فى قضايا جنائية تمثل تهديدا حقيقيا لأمن المجتمع واستقراره، وحتى نتجنب الوقوع فى ظلم يرفضه القانون.
كما أن هذه الخطوة ليست بعيدة عما دار فى جلسات الحوار الوطنى الذى رحب، فى بيان، بقرار الرفع من قوائم الإرهاب، واعتبره «يعكس مناخا عاما إيجابيا إضافيا فى ملف حقوق الإنسان والحريات العامة، ويؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية لمزيد من تعميق هذا المناخ».
القرار لا بد أن نربطه أيضا بالتطورات التى شملها ملف العفو الرئاسى عن عدد من المحبوسين فى فترات سابقة، واستجابة القيادة السياسة لتوصيات «الحوار الوطنى بشأن قضية الحبس الاحتياطى»، وتأكيد الرئيس السيسى فى شهر أغسطس الماضى على «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، وضرورة الحفاظ على طبيعته بوصفه إجراء وقائيا تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة».
رفع من شملهم قرار محكمة الجنايات من قوائم الإرهاب، ربما يكون بوابة نخرج منها إلى عالم أرحب فى ملف الحريات، خاصة أن مجلس النواب يناقش حاليا مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذى نأمل أن يقلص القيود المفروضة على الحريات وحقوق الإنسان، وأن يستجيب السادة المشرعون للملاحظات التى أبدتها العديد من الجهات وبينها نقابة الصحفيين.
وأخيرا نتمنى أن يشيع قرار محكمة الجنايات بشأن قوائم الإرهاب، أجواء تعطينا الأمل فى انفراجة واسعة بالعمل السياسى والحزبى، وضمان التعبير عن مختلف الآراء والاجتهادات فى وسائل الإعلام، وأن نكون بصدد مرحلة جديدة تمثل إضافة لا تخصم من تثبيت أركان الدولة، واستقرار المجتمع، بل تعزز قيم التسامح، وتؤكد على أهمية التنوع فى الأصوات والألوان الفكرية والثقافية على مختلف مشاربها.