حسب النهاية التى ستنتهى إليها قضية سد النهضة، سوف يتحدد شكل وحالة مصر فى السنوات وربما العقود المقبلة، وأتمنى أن نكون على وعى كامل بهذه الحقيقة، حتى لا نصل إلى طريق مسدود، ووقتها لن ينفع الندم. وبالطبع هذا الكلام موجه إلى الحكومة والمشرفين على الملف وليس للناس، التى صارت هذه القضية شغلها الشاغل فى الأعوام الاخيرة.
نوع الحل الذى سوف تنتهى إليه القضية مع إثيوبيا، إما أن يقود إلى مصر قوية منتصرة ومنطلقة، وإما إلى مصر ضعيفة منهزمة ومنكسرة ــ لا قدر الله ــ وإما أن يتم الوصول إلى حل وسط، وتبقى الأمور على ما هى عليه فى كلا البلدين أى مصر وإثيوبيا.
إذا قدر لمصر الانتصار فى هذه المعركة المصيرية ــ وهذا ما نتمناه بطبيعة الحال ــ فستكون أفضل انطلاقة لمصر، وستكرسها قوة إقليمية ورائدة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وقارة إفريقيا بأسرها خصوصا بعد أن نجحت فى وقف التهديدات القادمة من الحدود الغربية، حينما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى الخط المصرى الأحمر فى سرت والجفرة. وسيكون هذا الانتصار أفضل هدية يقدمها الرئيس السيسى والحكومة والدولة، للشعب المصرى فى الفترة المقبلة.
وإذا حدث هذا السيناريو المأمول، فسوف يجعل من الرئيس عبدالفتاح السيسى بطلا شعبيا فذا ليس فى مصر فقط بل فى المنطقة العربية، وزعيما اقليميا ذا كلمة مسموعة فى إفريقيا والشرق الأوسط، كما حدث للرئيس جمال عبدالناصر بالضبط فى معركة تأميم قناة السويس، وصد العدوان الثلاثى والانتصار عليه سياسيا عام ١٩٥٦.
انتصار مصر فى هذه القضية إن شاء الله، سيجعل عملية الإصلاح الاقتصادى والتنمية الجارية حاليا، تتقدم وتتزايد وتترسخ فى جميع المجالات، خصوصا الزراعة واستصلاح الأراضى والصناعة.
أما السيناريو الثانى فهو كابوسى بامتياز وسيكون عكس السيناريو الأول تماما، وسيضعف مصر بصورة كبيرة، ويسمح لبعض القوى الإقليمية فى المنطقة أن تؤكد أن دورها حان فى القيادة والريادة، وسيجعل من إثيوبيا القوة الإفريقية الأهم فى مجالات كثيرة خصوصا تجارة وبيع المياه لمن يدفع، بل والتأثير فى استقلالية القرار المصرى. وإذا حدث هذا السيناريو المتشائم ــ لا قدر الله ــ فسوف يشبه ــ إلى حد كبير فى نتائجه ــ ما حدث لمصر فى يونية ١٩٦٧، مع فارق المسرح والتفاصيل. هزيمة يونية 67 القاسية والمؤلمة، لانزال نعانى منها وندفع ثمنها نحن والمنطقة العربية حتى الآن.
إصرار إثيوبيا على الحل المنفرد للأزمة، يعنى أن نكون تحت رحمتها سياسيا، وأن تتعثر عملية التنمية الشاملة، التى بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه الحكم عام ٢٠١٤، وأن تتوقف كثير من مشروعات التنمية خصوصا استصلاح الأراضى، بل ربما التأثير على الأرض الزراعية فى الوادى والدلتا.
وهناك سيناريو ثالث أن يتم الوصول لحل وسط لا يجعل طرفا فائزا أو منهزمها بالضربة القاضية، بل تحقيق الحد الأدنى من مطالب كل طرف، وفى هذه الحالة سوف تستمر الأوضاع على ما هى عليه من دون مكسب كاسح أو هزيمة مدوية.
طبعا كل مصرى وطنى غيور على مصلحة بلده، يتمنى حدوث السيناريو الأول، الذى لن يتحقق إلا عندما تصل رسالة واضحة لإثيوبيا، بأن مصر قادرة على ايذائها وتعطيل عملية تنميتها، وإعادتها للوراء عشرات السنوات، إذا هى أصرت على المضى فى طريق التحدى والصلف والعناد.
وبالطبع أيضا، فهناك دول وقوى إقليمية ودولية تساند إثيوبيا، وتدعمها فى هذا الطريق الوعر، لكى لا تجعل مصر تنطلق للأمام، وتعطل مسيرتها، وتجعلها عاجزة أو مكسحة أو فى الأفضل الأحوال «ثابتة على وضعها الراهن».
كل من لا يضغط على إثيوبيا كى تعود لطريق الرشد مشارك بالصمت والتواطؤ فى هذه الجريمة، لكن فى النهاية نحن لا نستطيع أن نلوم إلا أنفسنا، حينما سمحنا بأن يصل الأمر إلى ما وصل إليه الآن.
سد النهضة ليس مشكلة الحكومة الحالية فقط، ولكنه حصيلة تراكم حكومات وأنظمة مصرية متعاقبة، أهملت إفريقيا، وفرطت فى عوامل قوتنا الشاملة، حتى وصلنا إلى مرحلة تقول لنا فيها إثيوبيا: «اخبطوا دماغكم فى أقرب حائط»!!
علينا أن نحسم الأمر ولا ندع إثيوبيا تحكم علينا أن نعيش منكسرين لعقود وربما لقرون. إنها المياه، يعنى حياة أو موتا.