آلاء النجار وأطفالها التسعة الشهداء - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 يونيو 2025 2:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

آلاء النجار وأطفالها التسعة الشهداء

نشر فى : الإثنين 26 مايو 2025 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 26 مايو 2025 - 9:10 م

كيف يمكن أن يتصرف أى إنسان لو وجد نفسه مكان الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار؟

 


والطبيعى أن البعض سوف يسأل: ومن هى آلاء النجار؟ وما هى حكايتها؟
آلاء النجار تعمل طبيبة أطفال فى مستشفى ناصر الطبى فى قطاع غزة، تسكن فى منطقة قيزان النجار جنوب محافظة خان يونس.
 وكالعادة أيضا قامت قوات الجيش الإسرائيلى بقصف المنزل وإحراقه وتدميره بصورة كاملة. والنتيجة أن تسعة من أبناء الطبيبة استشهدوا على الفور، وهم يحيى وركان ورسلان وجبران وايف وريفان وسيرين، أعمارهم تتراوح بين ستة شهور و12 عاما، ولم ينجُ إلا الأب وابن واحد هو آدم الذى يرقد الآن فى العناية المركزة.
شقيقتها سحر تعمل صيدلانية تقول: نحن أسرة تعمل كلها فى مجال الطب ولسنا منتمين لحماس، وزوج أختى حمدى يعمل طبيبا أيضا، وخرج ليوصلها إلى عملها، وبعد عودته بدقائق جاء الصاروخ مستهدفًا الطابق السفلى، وأول ثلاث جثث لم نستطع التعرف عليهم بسبب تفحمهم، لكن أختى صرخت: هذه جثة ابنتى ريفان وحضنتها متعشمة أنها لا تزال حية.
سحر تقول إن الأطفال الكبار جميعهم حافظون للقرآن، هى تصف لحظة معرفة أختها بالفاجعة فتقول للـ«بى بى سى»: ظلت تركض فى الشارع باتجاه المنزل كى تتمكن من إلقاء نظرة وداع عليهم، لكننا لم نستطع تمييز الجثث، كلهم أشلاء متفحمة.
شقيقتها سحر قالت لها: الأولاد راحوا يا آلاء، فتجيينى: هم أحياء عند ربهم يرزقون. تضيف الشقيقة: أختى فى حالة صدمة ولا أخشى عليها إلا من لحظة الانهيار التى ستلحق بلحظات الصمود التى تمر بها الآن.
الأم تعودت منذ بداية العدوان أن ترعى وتهتم وتعالج أطفال غزة الذين أصيبوا خلال العدوان. لكن لم يرد فى خلدها ولو للحظة أن تستقبل جثث أبنائها التسعة متفحمة.
أعود إلى السؤال الذى بدأت به: كيف يمكن أن يتصرف أى شخص حينما يرى أولاده التسعة، وقد صاروا جثثا متفحمة؟
حينما يفقد الواحد منا طفلا أو ابنا أو بنتا نتيجة لمرض أو حادث يكاد يصاب بالجنون، ويظل مكتئبا لمدد طويلة، فما البال حينما يرى تسعة من أولاده جثثا متفحمة؟
حاولت أن أضع نفسى مكان هذه الطبيبة الفلسطينية، وكيف كان شعورها حينما رأت جثث أولادها؟ والأهم كيف ستقضى بقية حياتها؟!
أن يتدمر منزلها ويتحول إلى كتلة من الركام، أمر صعب جدا ويحولها هى وأسرتها إلى مشردين ونازحين، لكن هذا الأمر يمكن تحمله، وإعادة البناء إن لم يكن الآن فغدا، لكن أن تفقد كل أولادك فى لمح البصر، فهذا ما لا يقدر عليه أحد.
حينما قرأت الخبر، لم أصدق أن هذه السيدة لديها عشرة أطفال، ومن الطبيعى أن نسأل جميعًا: لماذا عشرة أطفال، وكيف يمكن تربيتهم ورعايتهم وتعليمهم؟
لكن ولمن يتابع الصراع الفلسطينى الإسرائيلى منذ عام 1948، يدرك أن سلاح الديموغرافيا والسكان عامل مهم للغاية، ويخشى الإسرائيليون طوال الوقت أن يزيد عدد الفلسطينيين على الإسرائيليين فى عموم فلسطين الكبرى، وانطلاقا من هذا العامل تحديدا يمكن فهم سر الهمجية والوحشية الإسرائيلية بالقصف المساحى، بل استهداف النساء والأطفال، بهدف جوهرى هو قطع نسل الفلسطينيين، وصرنا نعرف أن هناك عائلات بأكملها تم محوها من السجلات المدنية فى غزة.
لا يمكن فهم ما تفعله إسرائيل منذ 7 أكتوبر عام 2023 إلا فى إطار تهجير الفلسطينيين قسرا أو هدم القطاع على رءوس ساكنيه، حتى يصبح غير قابل للحياة تماما.
لا أعرف كيف يمكن أن يبرر الاحتلال مثل هذا النوع من المجازر: هل كان هؤلاء الأطفال التسعة أهدافا حددها الذكاء الاصطناعى، هل هذه أخلاق الجيش الذى يقول إنه يتبع أعلى المعايير الأخلاقية فى القتال؟!
لا يمكن للإنسان السوى الذى لديه حد أدنى من ضمير أو إنسانية إلا أن ينحنى إجلالا واحتراما ونبلا لمثل هذه السيدة الفلسطينية وأمثالها الكثيرين، الذين تحملوا ما لا تتحمله الجبال، ولا يزالون صامدين على ما تبقى من أركان بيوتهم، وفى نفس الوقت يتعجب المرء من هذا الصمت العربى والدولى شبه الشامل وهو يشاهد هذه المذابح على الهواء مباشرة ويكتفى إما بالصمت وإما بالعجز وإما بالبيانات الجوفاء.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي