تعقيب على مقال لسفيرين مصري وإسرائيلي يدعوان فيه لعقد مؤتمر مدريد 2 للسلام - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الأحد 24 أغسطس 2025 4:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

تعقيب على مقال لسفيرين مصري وإسرائيلي يدعوان فيه لعقد مؤتمر مدريد 2 للسلام

نشر فى : الأحد 17 أغسطس 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 17 أغسطس 2025 - 11:49 م

نشر السفير المصرى عبد الرحمن صلاح الدين، مقالًا مشتركًا مع السفير الإسرائيلى السابق مايكل هرارى، فى الصحيفة الإسرائيلية Times Of Israel بتاريخ 23 يوليو 2025، يدعوان فيه إلى عقد مؤتمر مدريد 2 للسلام بين العرب وإسرائيل، ويعقدان مقارنة بين الظروف الدولية والإقليمية والداخلية فى كل من فلسطين وإسرائيل، التى سبقت مؤتمر مدريد الأول الذى عقد فى 31 أكتوبر 1991، عقب حرب الخليج الأولى، والظروف الحالية، التى قد تكون مواتيه لمثل هذا المؤتمر من وجهة نظرهما.

وقبل أن نحكم على مثل هذه الأفكار، وعما إذا كانت خيالية وغير قابلة للتحقيق أم العكس، فمن حيث المبدأ يتضمن المقال بعض النقاط الإيجابية وهى:

     •    إن الوضع الذى فيه المنطقة، وما يعانيه الفلسطينيون من مذابح يومية، وحرب إبادة واضحة يشاهدها العالم على الهواء مباشرة، فضلا عما أسفرت عنه الحروب الإسرائيلية مؤخرًا على لبنان وحزب الله، وعلى اليمن والحوثيين، وعلى إيران، وعلى سوريا، قد تدفعنا لمناقشة وتشجيع أى أفكار إيجابية للسلام، خاصة إذا كان فيها طرف إسرائيلى، وتُنشر فى مصادر إعلامية إسرائيلية لعلها قد تساهم ولو بدرجة ضئيلة فى تحريك الرأى العام الإسرائيلى فى التحول للسلام.

     •    يدعو المقال لإنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية، وأنه لن يتحقق أمن إسرائيل بدون سلام مع الفلسطينيين، وهذا أمر إيجابى أن ينشر ويتكرر داخل إسرائيل.

     •    يطالب السفيران المصرى والإسرائيلى بأن يتناول هذا المؤتمر قضية منع الانتشار النووى فى المنطقة وهذا بالطبع من أولويات الأمن الإقليمى فى ضوء عدم انضمام إسرائيل لاتفاقية منع الانتشار النووى، فحتى إيران التى تعرضت لهجوم عسكرى من إسرائيل والولايات المتحدة، على منشآتها النووية، منضمة لهذه الاتفاقية.

• • •

 أما إذا تناولنا بالتحليل الظروف الداخلية الإسرائيلية والفلسطينية، والإقليمية والدولية الحالية، وعما إذا كانت تسمح بعقد هذا المؤتمر، مقارنة بالظروف التى أحاطت بعقد مؤتمر مدريد الماضى سنجد ما يلى:

     •    أتى مؤتمر مدريد الأول عقب حرب الخليج الأولى، ومشاركة الدول العربية الرئيسية خاصة مصر وسوريا فيها، وفى إطار تحالف دولى بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت، وأرادت إدارة بوش الأب، ووزير الخارجية اللامع ذو الشخصية القائدة جيمس بيكر مكافأة الدول العربية، بمحاولة إيجاد طريق لحل القضية الفلسطينية، وأغرت تل ابيب بفتح محادثات علنية مباشرة مع بعض الدول العربية، خاصة سوريا ولبنان والأردن، وقد شارك الفلسطينيون ضمن وفد أردنى مشترك، وكانت مصر فى ذلك الوقت هى الدولة العربية الوحيدة الموقعة اتفاق سلام مع إسرائيل.

أما الآن فإن العديد من الدول العربية قد وقعت بالفعل اتفاقات اعتراف بإسرائيل تسمى إبراهيمية، وتضغط إدارة واشنطن نحو توسيع هذه الاتفاقيات، وبالتالى فإن إسرائيل ليست فى حاجة لكى تقدم أى تنازلات لأى طرف عربى، خاصة الطرف الفلسطينى.

     •    كانت إسرائيل أثناء مؤتمر مدريد، تحت قيادة حكومة شامير الليكودية المتطرفة، ولكن لم تكن فى تطرفها العلنى، قد وصلت إلى هذا التوحش وتنفيذ حرب إبادة وجرائم حرب، مثل الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، فهل يتصور أن تقدم هذه الحكومة أى تنازلات؟

     •    لم يكن هناك حروب تشنها إسرائيل على بعض الدول العربية وإيران، كما تفعل الآن منذ أكتوبر 2023، وبمشاركة ومساندة عسكريا وسياسيا واستخباراتيا، واقتصاديا من الإدارة الأمريكية الحالية، بل على العكس من ذلك أقنعت واشنطن إسرائيل بألا ترد على صواريخ صدام حسين، وبالفعل التزمت حكومة إسرائيل بذلك.

     •    إذا كان مؤتمر مدريد قد قدم فرصًا لإسرائيل للتواصل المباشر مع بعض الدول العربية لأول مرة، وهو ما مهد الطريق لاتفاق السلام مع الأردن، ومع الفلسطينيين فى أوسلو، بعد سنوات، فإنها فى ظل الاتفاقيات الإبراهيمية، واستمرار سفراء هذه الدول فى تل أبيب، والسفراء الإسرائيليين فى هذه العواصم العربية، رغم المذابح التى تقترفها إسرائيل فى غزة لنحو عامين، فماذا لدى العرب لكى يقدموه لإسرائيل إغراء، أو إجبارًا وضغطًا، لكى توافق على عقد مؤتمر مدريد 2 للسلام؟

     •    ثم يأتى السؤال المهم، من يتوقع أن يشارك فى هذا المؤتمر، هل ستقبل إسرائيل أن تشارك حماس، بوفد فلسطينى مشترك، كما حدث فى مؤتمر مدريد الأول حينما قبلت أن يكون الفلسطينيون ضمن وفد أردنى مشترك؟ فى ظل موقف كل من تل أبيب وواشنطن الصريح بالقضاء على حماس، أم ستشارك السلطة الفلسطينية فقط وهى فى أضعف حالاتها، ومحصورة ومحاصرة فى رام الله، كما أن إسرائيل لا تريد أن يكون لها أى دور، بعد أن أعلنت ضم الضفة، وعدم قبول أى دور لها فى غزة؟

     •    أما السؤال الأهم فما هو هدف مثل هذا المؤتمر، وهل سيكون مجرد تكريس واعتراف بالواقع الجديد الذى فرضته إسرائيل بقوة السلاح، بما فى ذلك الإعلان عن ضم الضفة الغربية وإعادة احتلال غزة بالكامل؟ وهل يمكن أن تقبل إسرائيل مناقشة حل الدولتين فى ضوء موقفها المعلن من رفض ذلك تماما، وهل يعقل أن تقبل مناقشة الانسحاب من الجولان السورى بعد أن أعلنت ضمها بل وتوسعت فى الأراضى السورية مؤخرًا، بل وفرضت بالقوة المسلحة على الجيش السورى عدم دخول منطقة الجنوب ككل؟ وما الذى يجبر إسرائيل على قبول أى شىء بعد أن اعتمدت القوة المسلحة سبيلاً لتحقيق أهدافها فى حماية أمنها القومى من وجهة نظرها؟

• • •

     •    الدعوة الأخطر فى المقال هى أن يكون المؤتمر ــ حسب رأى الكاتبين ــ غطاء للتطبيع مع المملكة السعودية، ولا يتصور إطلاقًا قبول المملكة لهذا الفخ، فمواقفها المعلنة والصريحة ترفض ذلك، وقد وضح فى قيادتها المشتركة مع فرنسا لمؤتمر حل الدولتين.

     •    الكاتبان يعولان على فكرة رئيسية، وهى رغبة ترامب فى الحصول على جائزة نوبل، والتى قد تدفعه للضغط على إسرائيل لعقد مثل هذا المؤتمر، والشواهد تؤكد وتصرفات ومواقف ترامب وإدارته، وتأييدها المطلق لنتنياهو سياسيًا وعسكريًا، بل ومشاركتها فى حربها على إيران، يجعل من هذه الأمنية مجرد أحلام وردية، وغير قابلة للتحقيق.

     •    ما تأمل فيه المنطقة، أصبح مجرد الضغط الأمريكى لتوقيع وقف دائم لإطلاق النار، فى ظل أى صفقة، وانسحاب القوات الإسرائيلية الكامل من غزة، وإدخال المساعدات والطعام للجوعى، ووقف الإبادة ومنع التهجير، وإعادة الإعمار، ومجرد بدء طريق لقيام دولة فلسطينية فى ظل التعاطف العالمى وتزايد الاعتراف الدولى بهذه الدولة الفلسطينية.

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات